خياله إن ضعف عن تعليق العلم به من حيث ما يقتضيه جلاله فإن المصلي وإن واجه الحق في قبلته كما ورد في النص فإنه كما قال من ورائه محيط فهو السابق والهادي فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده الهادي إلى صراط مستقيم والذي يسوق المجرمين إلى جهنم وردا إليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون (فصل بل وصل في الصلاة في داخل البيت) فمن قائل بمنع الصلاة في داخل الكعبة على الإطلاق ومن قائل بإجازة ذلك على الإطلاق ومن العلماء من فرق في ذلك بين النفل والفرض وكل له مستند في ذلك يستند إليه اعتبار ذلك في الباطن وبعد تقرير الحكم في الظاهر الذي شرع لنا وتعبدنا به ولم نمنع من الاعتبار بعد هذا التقرير فنقول هذه حالة من كان الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله لكن في حال إجالة كل جارحة فيما خلقت له هكذا قيد الصادق في خبره وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب ولما كانت هذه الحالة الواردة من الشارع في الخبر الصحيح عنه وتأيد الكشف بذلك الخبر عند السامع حالة النوافل ونتيجتها لهذا تنفل في الكعبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخلها كما ورد وكان يصلي الفريضة خارج البيت كما كان يتنفل على الراحلة حيث توجهت به فأينما تولوا فثم وجه الله وقد علمنا إن الأمر في نفسه قد يكون كما نراه ونشهده وهذا هو الذي أعطى مشاهدة هذا المقام فهو يراه سمع غيره كما يراه سمع نفسه فالكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان إلا أن يتعالى الله عن العوارض الطارئة وهذه المسألة من أعز المسائل الإلهية فمن استصحب هذا الحكم في الظاهر أجاز الصلاة كلها فرضها ونفلها داخل الكعبة فإن كل ما سوى الله لا يمكنه الخروج عن قبضة الحق فهو موجدهم بل وجودهم ومنه استفادوا الوجود وليس الوجود خلاف الحق ولا خارجا عنه يعطيهم منه هذا محال بل هو الوجود وبه ظهرت الأعيان يقول القائل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتجزا وهو يسمع والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك ويصدقه في قوله فنحن به سبحانه وله كما ورد في الخبر الصحيح فإذا نظرنا إلى ذواتنا وإمكاننا فقد خرجنا عنه وإمكاننا يطلبنا بالنظر والافتقار إليه فإنه الموجد أعياننا بجوده من وجوده وهو اعتبار قوله ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام فتفسيره من كل جهة خرجت مصليا فاستقبل المسجد الحرام وفي الإشارة من حيث خرجت إلى الوجود أي من زمان خروجك من العدم إلى الوجود وفي الاعتبار يقول بأي وجه خرجت من الحق إلى إمكانك ومشاهدة ذاتك فول وجهك شطر المسجد الحرام يقول فارجع بالنظر والاستقبال مفتقرا مضطرا إلى مأمنه خرجت فإنه لا أين لك غيره فانظر فيه تجده محيطا بك مع كونه مستقبلك فقد جمع بين الإطلاق والتقييد فأنت تظن إنك خرجت عنه وما استقبلت إلا هو وهو من ورائك محيط وحيثما كنتم من الأسماء الإلهية والأحوال فولوا وجوهكم ذواتكم شطره أي لا تعرضوا عنه ووجه الشئ عينه وذاته فإن الإعراض عن الحق وقوع في العدم وهو الشر الخالص كما إن الوجود هو الخير الخالص والحق هو الوجود والخلق هو العدم قال لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القول إنه أصدق بيت قالته العرب ولا شك أن الباطل عبارة عن العدم وأما حكم هذه الآية في الظاهر إن صلاة الفرض تجوز داخل الكعبة إذ لم يرد نهي في ذلك ولا منع وقد ورد وثبت حيثما أدركتك الصلاة فصل إلا الأماكن التي خصصها الدليل الشرعي من ذلك لا لأعيانها وإنما ذلك لوصف قام بها فيخرج بنصه ذلك القدر لذلك الوصف وقوله ومن حيث خرجت أي وإذ خرجت من الكعبة أو من غيرها وأردت الصلاة فول وجهك شطرها أي لا تستقبل بوجهك في صلاتك جهة أخرى لا تكون الكعبة فيها فقبلتك فيها ما استقبلت منها وكذلك إذا خرجت منها ما قبلتك إلا ما يواجهك منها سواء أبصرتها أو غابت عن بصرك وليس في وسعك أن تستقبل ذاتها كلها بذاتها لكبرها وصغر ذاتك جرما فالصلاة في داخلها كالصلاة خارجا عنها ولا فرق فقد استقبلت منها وأنت في داخلها ما استقبلت ولا تتعرض بالوهم لما استدبرت منها إذا كنت فيها فإن الاستدبار
(٤٠٦)