(وصل في فصل صيام سر الشهر) اعلم أنه صوم يوم ورد به الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم رويناه من طريق أبي داود عن عبد الله بن العلاء عن المغيرة بن قرة قال قال معاوية في الناس يوم مسحل الذي على باب حمص فقال يا أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصوم فمن أحب أن يفعل فليفعله قال فقام إليه مالك بن هبيرة السبلي فقال يا معاوية أ شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شئ من رأيك قال فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صوموا الشهر وسره فاعلم إن السر ضد الشهرة وبها سمي الشهر شهرا لاشتهاره وتمييزه واعتناء المسلمين به وأصحاب تسيير الكواكب فرغب في الصوم في حال السر والإعلان واعلم أن سر الشهر هو الوقت الذي يكون فيه القمر في قبضة الشمس تحت شعاعها كذلك العبد إذا أقيم في مشهد من مشاهد القرب الذي تطلبه عيون الأكوان فيه فلا تبصره وذلك مقام الأخفياء الأبرياء الذين لم يتميزوا في العامة في هذه الدار تحققا بصفة سيدهم حيث لم يجعل سبيلا إلى رؤيته في هذه الدار لحصول دعاوى الكون في المرتبة الإلهية فقالوا ينبغي أن لا نظهر إلا بظهور مولانا وذلك في الآخرة حيث يقول لمن الملك اليوم فلا يجرأ أحد يدعيه فهناك تظهر هذه الطبقة أن لله أخفياء في عباده وضنائن اكتنفهم في صونه فلما تشبهوا بسيدهم في هذه الصفة من الستر وعدم الظهور لزمهم صوم سر الشهر فإن الصوم صفة صمدانية فاتصفوا بصفة الحق في هذا التقريب كما اتصفوا به في الإعلان في صوم الواجب كشهر رمضان فإنه ظهر هناك باسمه رمضان وسمي به الشهر حجابا عنه تعالى والعامة تقول صمت رمضان والعارف يقول شهر رمضان معلنا فإن الله قال لهم فمن شهد منكم الشهر وهو إعلان رمضان وشهرته فليصمه إلا المسافر فإن المسافر إليه يسافر ليشهده فما هو في حال شهود في وقت سفره والمريض مائل عن الحق لأن المرض النفسي ميل النفس إلى الكون فلم يشهد الشهر والحيض كذب النفس ولذلك هو أذى في المحل ينافي الطهارة التي توجب القرب وهو الصدق ورد في الخبر الصحيح أن العبد إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به فجاء بالثلاثين الذي هو كمال عدة الشهر القمري الذي استسر في شعاع الشمس فكانت الحائض بعيدة من شهود الشهر لما ذكرناه والحق سبحانه لا يقرب عبده إلا ليمنحه ويعطيه ثم يبرزه إلى الناس قليلا قليلا لئلا يبهرهم بهاء نور ما أعطاه لضعف عيون بصائرهم رحمة بالعامة فلا يزال يظهر لهم قليلا قليلا فلا يبدي لهم من العلم بالله الذي أعطاه في حال ذلك السرار إلا قدر ما يعلم أنه لا يذهلهم إلى أن تعتاد عيون بصائرهم إلى أن يظهر لهم في صورة كمال الأعطية بالخلعة الإلهية وهو قوله من يطع الرسول فقد أطاع الله فذلك بمنزلة القمر ليلة البدر فهو القدر الذي كان حصل له ليلة السرار في حضرة الغيب من وجه باطنه فإن ضوء البدر كان في السرار من الشمس في الوجه الذي ينظر إلى الشمس في حين المسامتة والظاهر لا نور فيه وفي ليلة الإبدار ينعكس الأمر فيكون الظهور بالاسم الظاهر وكذلك فعل الحق مع عامة عباده احتجب عنهم غاية الحجاب كالسرار في القمر فلم يدركوه فقال ليس كمثله شئ رحمة بهم فلم يجدوا في أذهانهم ولا في طبقات أحوالهم ما يذهلهم فجاء سرا في رحمة حجاب هذه الآية وهذا غاية نزول الحق إلى عباده في مقام الرحمة لهم ثم استدرجهم قليلا قليلا بمثل وهو السميع البصير وقل هو الله أحد الله الصمد وقوله ألم يعلم بأن الله يرى إلى أن تقوت أنوار بصائرهم بالمعرفة بالله وأنسوا به قليلا قليلا إلى أن يتجلى لهم في المعرفة التامة النزيهة التي لو تجلى لهم فيها في أول الحال لهلكوا من ساعتهم فقال عز من قائل وهو معكم أينما كنتم فقبلوه ولم ينفروا منه ونسوا حال ليس كمثله شئ فكان بقاؤهم في ذلك المقام بقطع الياس لرفع المناسبة من جميع الوجوه ألا ترى أهل الميت تنقطع وحشتهم من ميتهم لأنهم لا يرجون لقاءه في الدنيا فلا يبقى لهم حزن وأهل الغائب ليس كذلك فإنهم لم ييأسوا من لقائه وكتبه وأخباره ترد عليهم مع الآنات إلى وقت اللقاء عند قدومه فسبحان الحكيم الخبير يدبر الأمر يفصل الآيات لعلنا نعقل عنه فلمثل هذا وقع صيام سر الشهر والشهر مثلا مضر وبالمن يعقل عن الله ففي صيام سر الشهر مقام جمعية الهمة على الله حتى لا يرى غير الله وهو قوله صلى الله عليه وسلم لي وقت لا يسعني فيه غير ربي لأنه في تجل خاص به ولهذا أضافه إليه فقال ربي ولم يقل الله ولا الرب ومما
(٦٢٦)