بها لعباده ومن هذه الحقيقة التي هو عليها في نفسه ذكر لنا في خلقنا بعد تسويتنا وتعديلنا في أي صورة ما شاء ركبنا كما أنه في أي صورة شاء تجلى لعباده وهنا سر إلهي نبهك عليه لتعرفه به فنزهه صاحب هذا المذهب في ظهوره استحبابا عن دوام التجلي في تلك الصورة بالإقامة فيها في عينك فافهم فهذا حكم الباطن في تحديد المحل ( باب في نوع محل المسح وهو ما يستر به الرجل من خف أو جورب) اعلم أن القائلين بالمسح على الخفين متفقون على المسح عليهما بلا شك واختلفوا في المسح على الجور بين فمن قائل بالمنع على الإطلاق ومن قائل بالجواز على الإطلاق ومن قائل بالجواز إذا كان على صفة خاصة فأما إن يكون من الكثافة والثخانة بحيث أن لا يصل ماء المسح إلى الرجل أو يكون مبطنا بجلد يجوز المشي فيه أي يمكن المشي فيه (وصل حكمه في الباطن) فأما حكم الباطن في ذلك فقد تقدم في الخوف وبقي حكم الجورب فالمقرر إن الجورب مثل الخف في الصفة الحجابية فإن العبد حجاب دون خالقه ولهذا ورد من عرف نفسه عرف ربه فإنه الدليل عليه والدليل والمدلول وإن ارتبطا بالوجه الخاص فهما ضدان لا يجتمعان وقد قلنا فيما تقدم إن الخف هو أدل على الرجل في إزالة الاشتراك من لفظة الرجل التي تطلق عليه وكذلك الهرولة وقد مضى ذلك إلا أن الجورب وإن ستر الرجل لا يقوى قوة الخف للتخلل الذي فيه فإن الماء ينفذ ويتخلل مسامه سريعا والخف ليس كذلك وحكمه في الباطن أن من العباد عباد الله من يكون في الدلالة على الله أقوى من غيره فهو بمنزله الجورب كما ثبت في الأثر عن الله في صفة أولياء الله حدثني غير واحد عمن حدثه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أولياء الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين إذا رؤوا ذكر الله ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء له وذلك لما قلناه مما يرى عليهم من قوة الدلالة على الله تعالى من الاستهتار بذكره سبحانه وما هم عليه من الذلة والطاعة والافتقار مع الأنفاس إلى الله فإذا أراد الناس أن ينزهوهم لم يتمكن لهم تنزيههم إلا بتنزيه الله فإنهم ما يذكرونهم إلا بالله لما تعطيهم أحوالهم الصادقة مع الله فإن كان الخف مبطنا بجلد فهو الملامي الذي يستر نفسه وحاله مع الله عن العالم السفلي أن يدركوا مرتبة ولايته عند الله كما يستتر الجورب عن الأرض أن تدركه وتصيبه بالجلد الذي حال بين الأرض وبينه وهو الصفة التي استتر بها هذا الملامي من المباحات عن العالم الأسفل المحجوب فلم يدركوا منه إلا تلك الصفة التي لم يتميز بها عن عامة المؤمنين وهو من خلف تلك الصفة في مقام الولاية مع الله وبقي أعلى الجورب من جانب الأعلى مع الله سبحانه بلا حائل بينه وبين ربه عز وجل وقد فتحت لك باب الاعتبار شرعا وهو الجواز من الصورة التي ظهر حكمها في الحس إلى ما يناسبه في ذاتك أو في جناب الحق مما يدل على الحق هذا معنى الاعتبار فإنه من عبرت الوادي إذا قطعته وجزته (باب في صفة الممسوح عليه) أجمع من يقول بجواز المسح على جواز المسح على الخف الصحيح واختلفوا في المخرق فمن قائل بجوازه إذا كان الخرق يسيرا من غير حد ومن قائل بتحديد الخرق اليسير بثلاثة أصابع ومن قائل بجوازه ما دام ينطلق عليه اسم الخف وإن تفاحش خرقه وهو الأوجه عندي ومن قائل بمنع المسح إذا كان الخرق في مقدم الخف وإن كان يسيرا والذي أقول به إن هذه المسألة لا أصل لها ولا نص فيها في كتاب ولا سنة فكان الأولى إهمالها وأن لا نشتغل بها وإن الحق في ذلك إذ وقد وقع في ذلك من الخلاف بين علماء الشريعة ما أحوجنا إلى الكلام فيها وإن الحق في ذلك عندنا إنما هو مع من قال يجوز ما دام يسمى خفا (وصل في حكم الباطن في ذلك) وهو أن نقول إنما سمي الخف خفا من الخفاء لأنه يستر الرجل مطلقا فإذا انخرق وظهر من الرجل شئ مسح على ما ظهر منه ومسح على الخف وذلك ما دام يسمى خفا لا بد من هذا الشرط وفيه سر عجيب للفطن المصيب إن الخافي هو الظاهر أيضا يقول امرؤ القيس خفاهن من أنفاقهن أي أبرزهن وأظهرهن وإنما قلنا بمسح ما ظهر لأنا قد أمرنا في كتاب الله بمسح الأرجل فإذا ظهر مسحناه وأما في الباطن فظاهر الشريعة ستر على حقيقة حكم التوحيد بنسبة كل شئ إلى الله فالطهارة في الشريعة متعلقها وهي أن تصحبها التوحيد بأن تراها حكم الله في خلقه لا حكم المخلوق مثل السياسات الحكمية فالشرع حكم الله لا حكم العقل كما
(٣٤٧)