فهو المخلوق الأول ألا ترى الحق سبحانه أول ما خلق القلم أو قل العقل كما قال فما خلق إلا واحدا ثم أنشأ الحلق من ذلك الواحد فاتسع العالم وكذلك العدد منشؤه من الواحد ثم الذي يقبل الثاني لا من الواحد الوجود ثم يقبل التضعيف والتركيب في المراتب فيتسع اتساعا عظيما إلى ما لا يتناهى فإذا انتهيت فيه من الاتساع إلى حد ما من الآلاف وغيرها ثم تطلب الواحد الذي نشأ منه العدد لا يزال في ذلك تقلل العدد ويزول عنك ذلك الاتساع الذي كنت فيه حتى تنتهي إلى الاثنين التي بوجودها ظهر العدد إذ كان الواحد أولاها فالواحد أضيق الأشياء وليس بالنظر إلى ذاته بعدد في نفسه ولكن بما هو اثنان أو ثلاثة أو أربعة فلا يجمع بين اسمه وعينه أبدا فاعلم ذلك والناس في وصف الصور بالقرن على خلاف ما ذكرناه وبعد ما قررناه فلتعلم إن الله سبحانه إذا قبض لأرواح من هذه الأجسام الطبيعية حيث كانت والعنصرية أودعها صورا جسدية في مجموع هذا القرن النوري فجميع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ من الأمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها وهو إدراك حقيقي ومن الصور هنالك ما هي مقيدة عن التصرف ومنها ما هي مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم وأرواح الشهداء ومنها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار ومنها ما يتحلى للنائم في حضرة الخيال التي هي فيه وهو الذي تصدق رؤياه أبدا وكل رؤيا صادقة ولا تخطئ فإذا أخطأت الرؤيا فالرؤيا ما أخطأت ولكن العابر الذي يعبرها هو المخطئ حيث لم يعرف ما المراد بتلك الصورة ألا تراه صلى الله عليه وسلم ما قال لأبي بكر حين عبر رؤيا الشخص المذكور أصبت بعضا وأخطأت بعضا وكذلك قال في الرجل الذي رأى في النوم ضربت عنقه فوقع رأسه فجعل الرأس يتدهده وهو يكلمه فذكر له رسول الله أن الشيطان يلعب به فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة ما رآه وما قال له خيالك فاسد فإنه رأى حقا ولكن أخطأ في التأويل فأخبره صلى الله عليه وسلم بحقيقة ما رآه ذلك النائم وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار في تلك الصور غدوة وعشية ولا يدخلونها فإنهم محبوسون في ذلك القرن وفي تلك الصورة ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب وهو العذاب المحسوس لا المتخيل الذي كان لهم في حال موتهم بالعرض فتدرك بعين الخيال الصور الخيالية والصور المحسوسة معا فيدرك المتخيل الذي هو الإنسان بعين خياله وقتا ما هو متخيل كقوله صلى الله عليه وسلم مثلت لي الجنة في عرض هذا الحائط فأدرك ذلك بعين حسه وإنما قلنا بعين حسه لأنه تقدم حين رأى الجنة ليأخذ قطفا منها وتأخر حين رأى النار وهو في صلاته ونحن نعرف أن عنده من القوة بحيث إنه لو أدرك ذلك بعين خياله لا بعين حسه ما أثر في جسمه تقدما ولا تأخرا فإنا نجد ذلك وما نحن في قوته ولا في طبقته صلى الله عليه وسلم وكل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه محبوس في صور أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من تلك الصور في النشأة الآخرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثامن والعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الرابع والستون في معرفة القيامة ومنازلها وكيفية البعث) يوم المعارج من خمسين ألف سنة * يطير عن كل نوام به وسنه والأرض من حذر عليه ساهرة * لا تأخذنها لما يقضي الإله سنه فكن غريبا ولا تركن لطائفة * من الخوارج أهل الألسن اللسنة وإن رأيت امرءا يسعى لمفسدة * فخذ على يده تجزى به حسنة ولتعتصم حذرا بالكهف من رجل * تريك فتنته يوما كمثل سنه قد مد خطوته في غير طاعته * ولم يزل في هواه خالعا رسنه اعلم أنه إنما سمي هذا اليوم يوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم لرب العالمين في النشأة الآخرة التي ذكرناها في البرزخ في الباب الذي قبل هذا الباب ولقيامهم أيضا إذا جاء الحق للفصل والقضاء والملك صفا صفا قال الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين أي من أجل رب العالمين حين يأتي وجاء بالاسم الرب إذ كان الرب المالك فله صفة
(٣٠٧)