فإليه انقلابهم فلا أثر لفقد الأسباب عندهم ولا لوجودها فهؤلاء لا يستسقون في حق نفوسهم إذ علموا إن الحياة تلزمهم لأنها أشد افتقارا إليهم منهم إليها وفائدة الاستسقاء إبقاء الحياة الدنيا فاستسقاء العلماء بالله في الزيادة من العلم بالله كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حين أمره وقل رب زدني علما هذا الدعاء هو عين الاستسقاء فإذا استسقى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في إنزال المطر والعلماء بالله لم يستسقوه في حق نفوسهم وإنما استسقوه في حق غيرهم ممن لا يعرف الله معرفتهم تخلقا بصفته تعالى حيث يقول كما ورد في الحديث الصحيح قال الله تعالى استسقيتك عبدي فلم تسقني قال وكيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك فلان فلم تسقه فهذا الرب قد استسقى عبده في حق عبده لا في حق نفسه فإنه يتعالى عن الحاجات كذلك استسقاء النبي والعلماء بالله إنما يقع منهم لحق الغير فهم ألسنة أولئك المحجوبين بالحياة الدنيا عن لزوم الحياة لهم حيث كانوا تخلقا بالاستسقاء الإلهي إذا الفقير المحقق من لا يقوم به حاجة معينة فتملكه لعلمه بأنه عين الحاجة فلا تقيده حاجة فإن حاجة العالم إلى الله مطلقة من غير تقييد كما إن غناه سبحانه عن العالم مطلق من غير تقييد من حيث ذاته فهم يقابلون ذاتا بذات وينسبون إلى كل ذات ما تعطيها حقيقتها وما أحسن ما شرع في الأذان والإقامة في قوله حي على الصلاة ولم يقل إلى الصلاة فيقيده بالغاية ومن كان معك فلا يكون غايتك ولا تقل حي كلمة إقبال ولا يطلب الإقبال إلا من معرض وكل معرض فاقد قلنا نعم لما كان العبد متحققا بالله كان هو الناظر والمنظور والشاهد والمشهود وغاب عين العبد ولم يبق إلا الرب وأراد الحق سبحانه أن يشهد العبد عين عبوديته ليعرفه بما أنعم عليه به مما لم يعط ذلك لغيره من العبيد ولا يعرف ذلك حتى يرد لنفسه ومشاهدة عينه مقارنة لمشاهدة ربه ولم يجعل ذلك في شئ من عباداته إلا في الصلاة فقال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فلا بد للمصلي من أجل قسمه من الصلاة أن يقوم فيه إذ لا يليق ذلك لقسم الذي للعبد من الصلاة أن يكون لله فقال له حي على الصلاة أي أقبل على الصلاة من أجل القسم الذي يخصك منها فإعراضه إنما كان عن نفسه لا عن ربه لأن العلم بالله أعطاه ذلك فقال له أقبل على صلاتك لتشهدني وتشهد نفسك فتعرف ما لي وما لك فتتصف بالحكمة وفصل الخطاب وترى ما أنت فيه فلم يأت بإلى فإنها أداة تؤذن بالفقد والأمر في نفسه ليس كذلك فإذا كان الحق يستسقي عبده فالعبد أولى وإذا كان الحق ينوب عن عبده في استسقاء عبده يسقى عبده فالعبد أولى أن يستسقي ربه ليسقى عبده وهو أولى بالنيابة عن مثله من الحق عنه إذ ليس كمثله شئ فمن الأدب مع الله الاستسقاء في حق الغير فإن أصحاب الأحوال محجوبون بالحال عن العلم الصحيح فصاحب الحال إذا لم يكن محفوظا عليه أدبه لم يؤاخذ بسوء الأدب إذ كان لسانه لسان الحال وصاحب العلم مؤاخذ بأدنى شئ لأنه ظاهر في العالم بصورة الحق وكم بين من يظهر في وجوده بربه وبين من يظهر بحاله شتان بين المقامين ويا بعد ما بين المنزلتين شاهد العلم عدل وشاهد الحال فقير إلى من يزكيه في حاله ولا يزكيه إلا صاحب العلم ولما كان العلم بهذه العزة شرعت التزكية في حكم الشرع بغلبة الظن فيقول أحسبه كذا وأظنه كذا لأنه لا يعلم كل أحد ما منزلة ذلك المزكى عند الله فلا يزكي على الله أحدا وإذا افتقر صاحب الحال إلى التزكية بغلبة الظن فهو إلى العالم صاحب العلم أفقر وأفقر فإنه مع من يزكيه كلاهما محتاجان إلى صاحب العلم العلم منجلي يظهر نفسه والحال ملتبس يحتاج إلى دليل يقويه لضعفه أن يلحق بدرجة الكمال فصاحب الحال يطلب العلم وصاحب العلم لا يطلب الحال أي عاقل يكون من يطلب الخروج من الوضوح إلى اللبس فإذا فهمت ما قررناه تعين عليك الاستسقاء فاشرع فيه (وصل اعتبار البروز إلى الاستسقاء) الاستسقاء له حالان الحال الواحدة أن يكون الإمام في حال أداء واجب فيطلب منه الاستسقاء فيستسقي على حالته تلك من غير تغيير ولا خروج عنها ولا صلاة ولا تغير هيأة بل يدعو الله ويتضرع في ذلك فحال هذا بمنزلة من يكون حاضرا مع الله فيما أوجب الله عليه فيتعرض له في خاطره ما يؤديه إلى السؤال في أمر لا يؤثر السؤال فيه في ذلك الواجب الذي هو بصدده بل ربما هو مشروع فيه كمسئلتنا ألا ترى أن الشارع قد شرع للمصلي أن يقول في جلوسه بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واجبرني فشرع له في الصلاة طلب الرزق والاستسقاء طلب الرزق فليس لمن هذه حالته أن يبرز إلى خارج المصر ولا يغير هيأته فإنه في أحسن الحالات وعلى أحسن الهيئات لأن أفضل الأمور أداء الواجبات دخل أعرابي على رسول
(٥٠٢)