الرسل والأعمال الظاهرة وما عندهم في بواطنهم من الايمان مثقال ذرة فبهذا القدر تميزوا من الكفار وقيل فيهم إنهم منافقون قال تعالى إن المنافقين والكافرين في جهنم جميعا فذكر الدار فالمنافقون يعذبون في أسفل جهنم والكافرون لهم عذاب في الأعلى والأسفل فإن الله قد رتب مراتب وطبقات للعذاب في نار جهنم لأعمال مخصوصة بأعضاء مخصوصة على ميزان معلوم لا يتعداه فالمؤمن ليس للنار اطلاع على محل إيمانه البتة فما له نصيب في النار التي تطلع على الأفئدة وإن خرج عنه هناك فإن عنايته سارية في محله من الإنسان وإنما يخرج عنه ليحميه ويرد عنه من عذاب الله ما شاء الله كما خرج عنه في الدنيا إذا أوقع المعصية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المؤمن يشرب الخمر ويسرق ويزني إنه لا يفعل شيئا من ذلك وهو مؤمن حال فعله وقال إن الايمان يخرج عنه في ذلك الوقت حال الفعل وتأول الناس هذا الحديث على غير وجهه لأنهم ما فهموا مقصود الشارع وفسروا الايمان بالأعمال فقالوا إنه أراد العمل فأبان النبي صلى الله عليه وسلم مراده بذلك في الحديث الآخر فقال صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا زنى خرج عنه الايمان حتى يصير عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الايمان فاعلم أن الحكمة الإلهية في ذلك أن العبد إذا شرع في المخالفة التي هو بها مؤمن أنها مخالفة ومعصية فقد عرض نفسه بفعله إياها لنزول عذاب الله عليه وإيقاع العقوبة به وأن ذلك الفعل يستدعي وقوع البلاء به من الله فيخرج عنه إيمانه الذي في قلبه حتى يكون عليه مثل الظلة فإذا نزل البلاء من الله يطلبه تلقاه إيمانه فيرده عنه فإن الايمان لا يقاومه شئ ويمنعه من الوصول إليه رحمة من الله وما بعد بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ولهذا قلنا إن العبد المؤمن لا يخلص له أبدا معصية لا تكون مشوبة بطاعة وهي كونه مؤمنا بها أنها معصية فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فقال الله عسى الله أن يتوب عليهم والتوبة الرجوع فمعناه أن يرجع عليهم بالرحمة فإنه تعالى تمم الآية بقوله إن الله غفور رحيم وقال العلماء إن عسى من الله واجبة فإنه لا مانع له ثم نرجع ونقول إنه لما كان الايمان عين طهارة الباطن لم يتمكن أن يتصور الخلاف فيه كما تصور في الطهارة الظاهرة إلا بوجه دقيق يكون حكم الظاهر فيه في الباطن حكم الباطن في طهارة الظاهر فنقول من ذلك الوجه هل من شرط طهارة الباطن بالإيمان التلفظ به فينطق اللسان بما يعتقده القلب من ذلك أم لا فيكون في عالم الغيب إذا لم يظهر بما يعتقده في الباطن منافقا كمنافق الظاهر في عالم الشهادة فإن المؤمن يعتقد وجوب الصلاة مثلا ولا يصلي ولا يتطهر كما أن المنافق يصلي ويتطهر ولا يؤمن بوجوبها عليه بقلبه ولا يعتقده أو لا يفعله لقول ذلك الرسول الذي شرعه له فهذا معنى ذلك إذا حققت النظر فيه حتى بسري الحكم في الظاهر والباطن على صورة ما هو في الظاهر من الخلاف والإجماع فاعلم ذلك (وصل) وأما أفعال هذه الطهارة فقد ورد بها الكتاب والسنة وبين فرضها من سننها من استحباب أفعال فيها ولهذه الطهارة شروط وأركان وصفات وعدد وحدود معينة في محالها فمن شروطها النية وهي القصد بفعلها على جهة القربة إلى الله تعالى عند الشروع في الفعل فمن الناس من ذهب إلى أنها شرط في صحة ذلك الفعل الذي لا يصح إلا بوجودها وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب ولا بد وهو مذهبنا وبه نقول في الطهارة الظاهرة والباطنة وهي عندنا في الباطن آكد وأوجب لأن النية من صفات الباطن أيضا فحكمها في طهارة الباطن أقوى لأنها تحكم في موضع سلطانها والظاهر غريب عنها فلهذا لم يختلف في علمنا في الباطن واختلف في ذلك في الظاهر وقد تقدم من الكلام في النية طرف يغني وذهب آخرون إلى أنها ليست بشرط صحة وأغنى ما ذكرناه في طهارة لوضوء بالماء (وصل) اختلف علماء الشريعة في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء الذي تريد الوضوء منه على أربعة أقوال فمن قائل إن غسلهما سنة بإطلاق ومن قائل إن ذلك مستحب لمن يشك في طهارة يده ومن قائل إن غسل اليد واجب على القائم من النوم في الإناء الذي يريد الوضوء منه ومن قائل إن ذلك واجب على المنتبه من نوم الليل خاصة وهذا حصر مذاهب العلماء في علمي في هذه المسألة ولكل قائل حجة من الاستدلال يدل بها على قوله وليس كتابنا هذا موضع إيراد أدلتهم وتتميم حكم هذه المسألة في الباطن غسل اليد هو طهارتها بما كلفه الشارع فيها بتركه وذلك على قسمين منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب إليه والواجب عندنا والفرض على السواء لفظان متواردان على معنى واحد فلا فرق
(٣٣٦)