وأما الكتاب فكل شئ هالك إلا وجهه وليس الوجه إلا الوجود وهو ظهور الذوات والأعيان وأما السنة فلا حول ولا قوة إلا بالله فهذا اعتبار وجوب الزكاة العقلي والشرعي (وصل في ذكر من تجب عليه الزكاة) اتفق العلماء على أنها واجبة على كل مسلم حر بالغ عاقل مالك للنصاب ملكا تاما هذا محل الاتفاق واختلفوا في وجوبها على اليتيم والمجنون والعبد وأهل الذمة والناقص الملك مثل الذي عليه الدين أو له الدين ومثل المال المحبس الأصل (وصل) اعتبار ما اتفقوا عليه المسلم هو المنقاد إلى ما يراد منه وقد ذكرنا أن كل ما سوى الله قد انقاد في رد وجوده إلى الله وإنه ما استفاد الوجود إلا من الله ولا بقاء له في الوجود إلا بالله وأما الحرية فمثل ذلك فإنه من كان بهذه المثابة فهو حر أي لا ملك عليه في وجوده لأحد من خلق الله جل جلاله وأما البلوغ فاعتباره إدراكه للتمييز بين ما يستحقه ربه عز وجل وما لا يستحقه وإذا عرف مثل هذا فقد بلغ الحد الذي يجب عليه فيه رد الأمور كلها إلى الله تعالى علوا كبيرا وهي الزكاة الواجبة عليه وأما العقل فهو أن يعقل عن الله ما يريد الله منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومن قيد وجوده بوجود خالقه فقد عقل نفسه إذ العقل مأخوذ من عقال الدابة وعلى الحقيقة عقال الدابة مأخوذ من العقل فإن العقل متقدم على عقال الدابة فإنه لولا ما عقل إن هذا الحبل إذا شدت به الدابة قيدها عن السراح ما سماه عقالا وأما قولهم المالك للنصاب ملكا تاما فملكه للنصاب هو عين وجوده لما ذكرناه من الإسلام والحرية والبلوع والعقل وأما قولهم ملكا تاما إذ التام هو الذي لا نقص فيه والنقص صفة عدمية قال فهو عدم فالتام هو الوجود فهو قول الإمام أبي حامد وليس في الإمكان أبدع من هذا العالم إذ كان إبداعه عين وجوده ليس غير ذلك أي ليس في الإمكان أبدع من وجوده فإنه ممكن لنفسه وما استفاد إلا الوجود فلا أبدع في الإمكان من الوجود وقد حصل فإنه ما يحصل للممكن من الحق سوى الوجود فهذا معنى اعتبار قولهم ملكا تاما وأما اعتبار ما اختلفوا فيه فمن ذلك الصغار فقال قوم تجب الزكاة في أموالهم وقال قوم ليس في مال اليتيم صدقة وفرق قوم بين ما تخرجه الأرض وبين ما لا تخرجه فقالوا عليه الزكاة فيما تخرجه الأرض وليس عليه زكاة فيما عدا ذلك من الماشية والناض والعروض وفرق آخرون بين الناض وغيره فقالوا عليه الزكاة إلا في الناض خاصة اعتبار ما ذكرنا اليتيم من لا أب له بالحياة وهو غير بالغ أي لم يبلغ الحلم بالسن أو الإنبات أو رؤية الماء قال تعالى لم يلد وقال سبحانه أن يكون له ولد فليس الحق باب لأحد من خلق الله ولا أحد من خلقه يكون له ولدا سبحانه وتعالى فمن اعتبر التكليف في عين المال قال بوجوبها ومن اعتبر التكليف في المالك قال لا يجب عليه لأنه غير مكلف كذلك من اعتبر وجوده لله قال لا تجب الزكاة فإنه ما ثم من يقبلها لو وجبت فإنه ما ثم إلا الله ومن اعتبر إضافة الوجود إلى عين الممكن وقد كان لا يوصف بالوجود قال بوجوب الزكاة ولا بد إذ لا بد للإضافة من تأثير معقول ولهذا تقسم الموجودات إلى قسمين إلى قديم وإلى حادث فوجود الممكن وجود حادث أي حدث له هذا الوصف ولم يتعرض للوجود في هذا التقسيم هل هو حادث أو قديم لأنه لا يدل حدوث الشئ عندنا على أنه لم يكن له وجود قبل حدوثه عندنا وعلى هذا يخرج قوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وهو كلام الله القديم ولكن حدث عندهم كما تقول حدث عندنا اليوم ضيف فإنه لا يدل ذلك على أنه لم يكن له وجود قبل ذلك فمن راعى أن الوجود الحادث غير حق للموصوف به وأنه حق لغير الممكن قال بوجوب الزكاة على اليتيم لأنه حق للواجب الوجود فيما اتصف به هذا الممكن كما يراعي من يرى وجوبها على اليتيم في ماله أنها حق للفقراء في عين هذا المال فيخرجها منه من يملك التصرف في ذلك المال وهو الولي ومن راعى أن الزكاة عبادة لم يوجب الزكاة لأن اليتيم ما بلغ حد التكليف وقد أشرنا إلى ذلك ولنا الرب حق والعبد حق * يا ليت شعري من المكلف هذا في البالغ والصغير غير مكلف وهو اليتيم وهكذا سائر العبادات على هذا النحو فإن الشئ لا يعبد نفسه وإذا تحقق عارف مثل هذا وتبين أنه ما ثم إلا الله خاف من الزلل الذي يقع فيه من لا معرفة له ممن ذمه الشارع من القائلين بإسقاط الأعمال نعوذ بالله من الخذلان فنظر العارف عند ذلك إلى الأسماء الإلهية وتوقف أحكام بعضها على بعض وتفاضلها في
(٥٥٢)