إلهي فكانت في الثلث الأوسط والآخر من الشهر ولم تكن في الثلث الأول فإن الأول أنت ولا بد فالأولية لك في معرفتك ربك وأنت وهو لا تجتمعان كما إن الدليل والمدلول لا يجتمعان فمن عرف نفسه عرف ربه فقدمك فإنك الدليل فالأولية لك في المعرفة النظرية والكشفية فإن معرفة الكشف لا تكون إلا بعد رياضة ومجاهدة فلا بد من تقدمك نظرا وكشفا كما إن علمه بك إنما هو من علمه به فلو لم يتصف بأنه عالم بنفسه ما علمك فتفطن في علم الله بك من أين هو فإنها مسألة دقيقة جدا ذكرناها في كتابنا الموسوم بعقلة المستوفز وفي هذا الكتاب (وصل في فصل في التماسها في الجماعة بالقيام في شهر رمضان) خرج أبو داود عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال من هؤلاء فقيل هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يصلي بهم وهم يصلون بصلاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصابوا ونعم ما صنعوا فالجمعية فيها أحق للمناسبة فإن قدرها أعظم من ألف شهر لياليه وأيامه فلها مقام هذا الجمع وأنزل الله فيها القرآن قرآنا أي مجموعا وأنزله بنون الجمع والعظمة فجمع في إنزاله فيها جميع الأسماء بقوله إنا أنزلناه في ليلة القدر وفيها تنزل الملائكة ما نزل فيها واحد والروح القائم فيهم مقام أبي في الجماعة التي يصلي بهم من كل أمر وكل يقتضي جميع الأمور التي يريد الحق تنفيذها في خلقه وحتى مطلع الفجر نهاية غاية فإنها تتضمن حرف إلى التي للغاية ولا تكون نهاية إلا عن ابتداء فكان جمعا فهذه الليلة ليلة جمع فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا ونعم ما صنعوا يغبطهم لما ذكرناه والباعث لالتماسها أمور تقتضيها وهي البواعث على التماسها وهو عظم قدرها وعظم من أنزلها وحقارة من التمسها عند نفسه بالتماسها فإنه شاهد بالتماس لهذا الخير العظيم القدر على نفسه بافتقار عظيم يقابله لأن العبد كلما أراد أن يتحقق بعبودية حقر قدره إلى أن يلحق نفسه بالعدم الذي هو أصله ولا أحقر من العدم فلا أحقر من نفس المخلوق فسمي أيضا ليلة القدر لمعرفة أهل الحضور فيها بأقدارهم أعني بحقارتها مع أن الخير الذي ينالونه شر كالملتمسين في الإمكان والافتقار وأفقر الموجودات من افتقر إلى مفتقر فلا أفقر من الإنسان فإنه لا أعرف بالله منه لجمعيته وعقله ومعرفته بنفسه (وصل في فصل إلحاقها من قامها برسول الله صلى الله عليه وسلم في المغفرة) قال الله تعالى يخاطب محمدا صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وذكر مسلم والنسائي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام ليلة القدر وفي مسلم فيوافقها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول يستر عنه ذنبه حتى لا يخجل وإن كان ممن قيل له افعل ما شئت فقد غفرت لك كما ورد في الصحيح فيكون قد ستر عنه خطاب التحريم وأبيح له شرعا فما تصرف إلا في مباح فإن الله لا يأمر بالفحشاء فلو لا عظم قدرها ما ألحقها الله بصفة العلم الذي هو أشرف الصفات ولهذا أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة منه ومعنى قولي ألحقها الله لما ورد في الصحيح أن العبد إذا أذنب ذنبا فعلم إن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب يقول الله له في الثالثة افعل ما شئت فقد غفرت لك وما ثم سبب موجب لإباحة ما حرم عليه فعله إلا العلم فلحق فضل ليلة القدر بمرتبة العلم فيما ذكرناه وقال صلى الله عليه وسلم من حرم خيرها فقد حرم ذكره النسائي وأي خير أعظم من رفع التحجير فذلك جنة معجلة (وصل في فصل الاعتكاف) الاعتكاف الإقامة بمكان مخصوص وفي الشرع على عمل مخصوص بحال مخصوص على نية القربة إلى الله جل جلاله وهو مندوب إليه شرعا واجب بالنذر وفي الاعتبار الإقامة مع الله على ما ينبغي لله إيثار الجناب الله فإن أقام بالله فهو أتم من أن يقيم بنفسه فأما العمل الذي يخصه فمن قائل إنه الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن لا غير ذلك من أعمال البر والقرب ومن قائل جميع أعمال البر المختصة بالآخرة والذي أذهب إليه أن له أن يفعل جميع أفعال البر التي لا تخرجه عن الإقامة بالموضع الذي أقام فيه فإن خرج فليس بمعتكف ولا يثبت فيه عندي الاشتراط وقد ثبت عن عائشة أن السنة للمعتكف أن لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا فاعلم إن الإقامة مع الله إذا كانت بالله فله التصرف في جميع أعمال البر المختصة بمكانه
(٦٦١)