بالإشارة دون غيرها من الألفاظ إلا بتعليم إلهي جهله علماء الرسوم وذلك أن الإشارة لا تكون إلا بقصد المشير بذلك أنه يشير لا من جهة المشار إليه وإذا سألتهم عن شرح مرادهم بالإشارة أجروها عند السائل من علماء الرسوم مجرى الغالب مثال ذلك الإنسان يكون في أمر ضاق به صدره وهو مفكر فيه فينادي رجل رجلا آخر اسمه فرج فيقول يا فرج فيسمعه هذا الشخص الذي ضاق صدره فيستبشر ويقول جاء فرج الله إن شاء الله يعني من هذا الضيق الذي هو فيه وينشرح صدره كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصالحة المشركين لما صدوه عن البيت فجاء رجل من المشركين اسمه سهيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل الأمر أخذه فالا فكان كما تفاءل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتظم الأمر على يد سهيل وما كان أبوه قصد ذلك حين سماه به وإنما جعله له اسما علما يعرف به من غيره وإن كان ما قصد أبوه تحسين اسم ابنه إلا لخير ولما رأى أهل الله أنه قد اعتبر الإشارة استعملوها فيما بينهم ولكنهم بينوا معناها ومحلها ووقتها فلا يستعملونها فيما بينهم ولا في أنفسهم إلا عند مجالسة من ليس من جنسهم أو لأمر يقوم في نفوسهم واصطلح أهل الله على ألفاظ لا يعرفها سواهم إلا منهم وسلكوا طريقة فيها لا يعرفها غيرهم كما سلكت العرب في كلامها من التشبيهات والاستعارات ليفهم بعضهم عن بعض فإذا خلوا بأبناء جنسهم تكلموا بما هو الأمر عليه بالنص الصريح وإذا حضر معهم من ليس منهم تكلموا بينهم بالألفاظ التي اصطلحوا عليها فلا يعرف الجليس الأجنبي ما هم فيه ولا ما يقولون ومن أعجب الأشياء في هذه الطريقة ولا يوجد إلا فيها إنه ما من طائفة تحمل علما من المنطقيين والنجاة وأهل الهندسة والحساب والتعليم والمتكلمين والفلاسفة إلا ولهم اصطلاح لا يعلمه الدخيل فيهم إلا بتوقيف من الشيخ أو من أهله لا بد من ذلك إلا أهل هذه الطريقة خاصة إذا دخلها المريد الصادق وبهذا يعرف صدقه عندهم وما عنده خبر بما اصطلحوا عليه فإذا فتح الله له عين فهمه وأخذ عن ربه في أول ذوقه وما يكون عنده خبر بما اصطلحوا عليه ولم يعلم أن قوما من أهل الله اصطلحوا على ألفاظ مخصوصة فإذا قعد معهم وتكلموا باصطلاحهم على تلك الألفاظ التي لا يعرفها سواهم أو من أخذها عنهم فهم هذا المريد الصادق جميع ما يتكلمون به حتى كأنه الواضع لذلك الاصطلاح ويشاركهم في الكلام بها معهم ولا يستغرب ذلك من نفسه بل يجد علم ذلك ضروريا لا يقدر على دفعه وكأنه ما زال يعلمه ولا يدري كيف حصل له والدخيل من غير هذه الطائفة لا يجد ذلك إلا بموقف فهذا معنى الإشارة عند القوم ولا يتكلمون بها إلا عند حضور الغير أو في تأليفهم ومصنفاتهم لا غير والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والخمسون في معرفة الخواطر الشيطانية) لو أن الله يفهمنا الذي فيها من الحكم رأيت الأمر يعلو عن * مجال الفكر والهمم يدق فليس تظهره * إليك جوامع الكلم الخواطر أربعة لا خامس لها خاطر رباني وخاطر ملكي وخاطر نفسي وخاطر شيطاني ولا خامس هناك وقد ذكرنا معرفة الخواطر في هذا الكتاب وفي بعض كتبنا فلنذكر في هذا الباب الخاطر الشيطاني خاصة اعلم أن الشياطين قسمان قسم معنوي وقسم حسي ثم القسم الحسي من ذلك على قسمين شيطاني إنسي وشيطاني جني يقول الله عز وجل شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون فجعلهم أهل افتراء على الله وحدث فيما بينهما في الإنسان شيطان معنوي وذلك أن شيطان الجن والإنس إذا ألقى من ألقى منهم في قلب الإنسان أمرا ما يبعده عن الله به فقد يلقي أمرا خاصا وهو خصوص مسألة بعينها وقد يلقي أمرا عاما ويتركه فإن كان أمرا عاما فتح له في ذلك طريقا إلى أمور لا يفطن لها الجني ولا الإنسي تتفقه فيه النفس وتستنبط من تلك الشبه أمورا إذا تكلم بها تعلم إبليس الغواية فتلك الوجوه التي تنفتح له في ذلك الأسلوب العام الذي ألقاه إليه أو لا شيطان الإنس أو شيطان الجن تسمى الشياطين المعنوية لأن كل واحد من شياطين الإنس والجن يجهلون ذلك وما قصدوه على التعيين وإنما أرادوا بالقصد الأول فتح هذا الباب عليه لأنهم علموا إن في قوته وفطنته
(٢٨١)