يقول الله لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد يصدق عبده ومن هنا كان اسمه المؤمن وأمثاله فإذا كان الحق لا يقول شيئا من ذلك حتى يقول العبد فالعبد أولى بالاتباع فليس للمأموم أن يسبق إمامه بشئ من أفعال الصلاة ولا من أقوالها حتى في قراءة الفاتحة ليس له أن يشرع فيها إذا جهر بها حتى يفرع منها أو يتبع سكتات الإمام فيها فيقرأ ما فرع الإمام منها في سكتة الإمام وفي صلاة السر يقرأها بحسب ما يغلب على ظنه إلا في الصلاة بعد الجلسة الوسطى فإنه يقرأها ابتداء (فصل بل وصل فيمن رفع رأسه قبل الإمام) فمن قائل إنه أساء ويرجع وصحت صلاته ومن قائل صلاته تبطل (وصل الاعتبار) الإمام الحق والقيومية صفته فلا يجوز للمأموم أن يرفع قبل إمامه وأن صلاته تبطل فإنه في حال لا يصح فيها أن يكون مأموما لمثله ولا للحق فإن قيومية الحق به في رفعه من الركوع تسبق قيوميته إذ كل ما يقام فيه العبد إنما هو عن صفة إلهية ظلها هو الذي يظهر في العبد والظل تبع بلا شك والعبد ظل لقول السلطان ظل الله في الأرض وإنما ورد هذا في الرفع لأن طلب العلو بل العلو له سبحانه بالاستحقاق وإنما الذي ينبغي للمأموم الاقتداء بالإمام في كل خفض ورفع فأما الخفض فربما تطلب النفس فيه للتخيل الفاسد الذي يطرأ من الجاهل فاعلم إن الحق وصف نفسه بالنزول فيسبق المأموم بخفضه نزول الحق إليه قبل نزوله وهويه إلى السجود فلا ينحط إلى السجود حتى يسبقه إمامه فإنه إن لم يكن يجد الحق في سجوده فلمن ينزل هذا العبد المصلي وينحط بفعله ذلك فلا ينحط إلا للإله الذي وصف نفسه بالنزول من علوه إلى عبده فيقول العبد يا رب هذه صفتي فإنا أحق بها وإنما ضرورة الدعوى رفعتني عن مقام الانحطاط لكونك أخبرت أنك خلقتني على الصورة فشمخت نفسي على من نزل عن هذه الدرجة التي خصصتني بها ثم مننت علي بأن نزلت إلي فمن كان هذا مشهده ومشربه اقتدى بالإمام في جميع الأحوال والأحكام (فصل بل وصل فيما يحمله الإمام عن المأموم) اتفق علماؤنا على أنه لا يحمل الإمام عن المأموم شيئا من فرائض الصلاة ما عدا القراءة فإنهم اختلفوا في ذلك فمن قائل إن المأموم يقرأ مع الإمام فيما أسر به ولا يقرأ معه فيما جهر به ومن قائل لا يقرأ معه أصلا ومن قائل يقرأ معه فيما أسر أم الكتاب وغيرها وفيما جهر أم الكتاب فقط وبه أقول وبعضهم فرق في الجهر بين من يسمع قراءة الإمام وبين من لا يسمع فأوجب على المأموم القراءة وإذا لم يسمع ونهاه عنها إذا سمع والذي أذهب إليه بعد وجوب قراءة الفاتحة على كل مصل من إمام وغير إمام أنه إن قرأ في نفسه كان أفضل إلا أن يكون بحيث يسمع الإمام فالإنصات والاستماع لقراءة الإمام واجب لأمر الله الوارد في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وما خص حال صلاة من غيرها والقرآن مقطوع به عند الجميع وإذا لم يسمع إن لم يقرأ المأموم أعني غير الفاتحة أجزأته صلاته إلا فاتحة الكتاب كما قلنا فإنه لا بد منها لكل مصل فإن الله قسم الصلاة بينه وبين عبده وما ذكر إلا الفاتحة لا غير فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المشروعة التي قسمها الله بينه وبين عبده ولكن يتبع المأموم بقراءة الفاتحة سكتات الإمام فيجمع بين الآية والخبر وإن لم يسكت الإمام ويكره له ذلك فليقرأها المأموم في نفسه بحيث أن لا يسمعه الإمام آية آية حتى يفرع منها ولا يجهر على الإمام بقراءته (وصل الاعتبار في ذلك) لما احتوت الصلاة على أركان وهي فروض الأعيان لم تجز فيها نفس عن نفس شيئا وكل ما ليس بفرض ويجبره سجود السهو فإن الإمام يحمله عن المأموم ومعناه أن المأموم إذا نقصه أو زاد لم يسجد لسهوه وذلك أن الفروض حقوق الله فحق الله أحق بالقضاء وما عدا الفروض وإن كانت حقا من حيث ما هي مشروعة وهي على قسمين منها ما جعل لها بدل وهو سجود السهو وهي الأفعال التي للشرع بها اعتناء من حيث ما فيها من الإنعام الذي يقرب من إنعام الفرائض بالشبه ولهذا جعل لها بدل ومنها ما هي حقوق للعبد مما رغب فيها فإن شاء عمل بها وإن شاء تركها وما جعل لها بدل فإن عمل بها كان له ثواب وإن لم يفعلها لم يكن عليه حرج ولم يحصل له ذلك الثواب الذي يحصل من فعلها كرفع الأيدي في كل خفض ورفع عمدا فإن كان في نفسه الرفع أو من مذهبه لما اقتضاه دليله فلم يفعل نسيانا وسهوا فإنه يسجد لسهوه لا لرفع اليدين فإن السجود ما شرعه الله إلا للسهو هنا لا للمسهو عنه بدليل أنه لو تركه عمدا
(٤٥٦)