(وصل في فصل من فطر صائما) لما ورد الخبر الذي خرجه الترمذي عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شئ وقال فيه حديث صحيح فالصائم له أجر في فطره كما كان له في صومه فلمن فطره أجر فطره لا أجر صومه فافهم وعلمنا من هذا الخبر أن الفطر من تمام الصوم وأنه من أعان شخصا على عمل كان مشاركا له فيما يؤدي إليه ذلك العمل من الخير لا مشاركة توجب نقصا بل هو على التمام لكل واحد من الشريكين كما جاء في الحديث من سن سنة حسنة الحديث فجعل الفطر من تمام الصوم وأنه جزء منه ومن تلبس بجزء من الشئ المتناسب الأجزاء حصل له خير ذلك الشئ وإن لم يحصل ولا اتصف بذلك الأمر كله كما اتصف به صاحبه كمن اتصف بجزء من أجزاء النبوة فله أجر من ثبتت له النبوة وفضلها من غير إن يتلبس بها كلها فليس بنبي ولهذا ورد أنه يأتي يوم القيامة ناس ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء إذ كانت الأنبياء نالت هذه الفضيلة بما في النبوة من الأثقال والمشاق وهؤلاء بجزء منها قد اتصفوا أو أكثر من جزء وتلبسوا به وربما كان هذا الجزء منها ومما لا مشقة فيه ونالوا فضل من تلبس بها كلها كالفقير مع صاحب المال فيما يتمناه من فعل الخير إذا رأى صاحب المال أو العلم يفعل في ذلك ما لا يتمكن للفقير فعله فهما في الأجر سواء وما اشتركا إلا في النية وزاد عليه صاحب النية بسقوط الحساب والمسألة فيم أنفق ومم اكتسب فهؤلاء هم الذين يغبطهم النبيون في ذلك المقام ولكن في القيامة في الموقف لا في الجنة وهو قوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر فإن الرسل تخاف على أممها لا على أنفسها والمؤمنون خائفون على أنفسهم لما ارتكبوه من المخالفات وهؤلاء ما لهم أتباع يخافون عليهم ولا ارتكبوا مخالفة توجب لهم الخوف فلا يحزنهم الفزع الأكبر وكذلك الأنبياء يعطى لكل نبي أجر الأمة التي بعث إليهم سواء آمنوا به أو كفروا فإن نية كل نبي يود لو أنهم آمنوا فتساوي الكل في أجر التمني ويتميز كل واحد عن صاحبه في الموقف بالأتباع فالنبي يأتي ومعه السواد الأعظم وأقل وأقل حتى يأتي نبي ومعه الرجلان والرجل ويأتي النبي وليس معه أحد والكل في أجر التبليغ سواء وفي الأمنية فمن فطر صائما فقد اتصف بصفة إلهية وهي اسمه الفاطر فإن الله فطر الصائم مع غروب الشمس سواء أكل أو لم يأكل أو شرب أو لم يشرب فهو مفطر شرعا وأخرجه غروب الشمس من التبس بالصوم وهذا فطره بما أطعمه فلما حصل في هذه الدرجة كان متخلقا بما هو لله كما كان الصائم متلبسا في صومه بما هو لله من التنزيه عن الطعام والشراب والصاحبة وكل وصف مفسد للصوم (وصل في فصل صوم الضيف) لما خرج الترمذي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم علمنا إن الصوفية أضياف الله فإنهم سافروا من حظوظ أنفسهم وجميع الأكوان إيثارا للجناب الإلهي فنزلوا به فلا يعملون عملا إلا بإذن من نزلوا عليه وهو الله فلا يتصرفون ولا يسكنون ولا يتحركون إلا عن أمر إلهي ومن ليست له هذه الصفة فهو في الطريق يمشي يقطع مناهل نفسه حتى يصل إلى ربه فحينئذ يصح أن يكون ضيفا وإذا أقام عنده ولا يرجع كان أهلا لأن أهل القرآن وهو الجمع به تعالى هم أهل الله وخاصته (حكاية) كان شيخنا أبو مدين بالمغرب قد ترك الحرفة وجلس مع الله على ما يفتح الله له وكان على طريقة عجيبة مع الله في ذلك الجلوس فإنه ما كان يرد شيئا يؤتى إليه به مثل الإمام عبد القادر الجيلي سواء غير أن عبد القادر كان أنهض في الظاهر لما يعطيه الشرف فقيل له يا أبا مدين لم لا تحترف أو لم لا تقول بالحرفة فقال أقول بها فقيل له فلم لا تحترف فقال الضيف عندكم إذا نزل بقوم وعزم على الإقامة كم توقيت زمان وجوب ضيافته عليهم قالوا ثلاثة أيام قال وبعد الثلاثة الأيام قالوا يحترف ولا يقعد عندهم حتى يحرجهم قال الشيخ الله أكبر أنصفونا نحن أضياف ربنا تبارك وتعالى نزلنا عليه في حضرته على وجه الإقامة عنده إلى الأبد فتعينت الضيافة فإنه تعالى ما دل على كريم خلق لعبده إلا كان هو أولى بالاتصاف به قالوا نعم قال وأيام ربنا كما قال كل يوم كألف سنة مما تعدون فضيافته بحسب أيامه فإذا أقمنا عنده ثلاثة آلاف سنة وانقضت ولا نحترف
(٦٥٥)