فهم السلاطين في صور العبيد يعرفهم الملأ الأعلى فليس أحد مما سوى الإنس والجان إلا ويقول بفضله إلا بعض الثقلين فإن الحسد يمنعهم من ذلك فطبقات الفتيان هو ما ذكرناه من يعلم منهم علم الله في الحركات ومن لا يعلم علم الله في ذلك على التعيين وإن علم إن ثم أمر ألم يطلعه الله عليه وأما منزلتهم فهو الذي قلنا في أول الباب في قوله ثم جعل من بعد ضعف قوة وينظر إلى هذا الإيجاد من الحقائق الإلهية الآية لأخرى وهي قوله إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فهم يعاملون الخلق بالإحسان إليهم مع إساءتهم لهم كإعطاء الله الرزق للمرزوقين الكافرين بالله ونعمه فلهم القوة العظمى على نفوسهم حيث لم يغلبهم هواهم ولا ما جبلت النفس عليه من حب الثناء والشكر والاعتراف قال تعالى حاكيا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم فأطلق الله على ألسنتهم فتوة إبراهيم بلسانهم لما كانت الفتوة بهذه المثابة لأنه قام في الله حق القيام ولما أحالهم على الكبير من الأصنام على نية طلب السلامة منهم فإنه قال لهم فاسألوهم إن كانوا ينطقون يريد توبيخهم ولهذا رجعوا إلى أنفسهم وهو قوله تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه في كل حال وإنما سمي ذلك كذبا لإضافة الفعل في عالم الألفاظ إلى كبيرهم والكبير الله على الحقيقة والله هو الفاعل المكسر للأصنام بيد إبراهيم فإنه يده التي ببطش بها كذا أخبر عن نفسه فكسر هذه الأصنام التي زعموا أنها آلهة لهم ألا ترى المشركين يقولون فيهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فاعترفوا إن ثم إلها كبيرا أكبر من هؤلاء كما هو أحسن الخالقين وأرحم الراحمين فهذا الذي قاله إبراهيم عليه السلام صحيح في عقد إبراهيم عليه السلام وإنما أخطأ المشركون حيث لم يفهموا عن إبراهيم ما أراد بقوله بل فعله كبيرهم فكان قصد إبراهيم بكبيرهم الله تعالى وإقامة الحجة عليهم وهو موجود في الاعتقادين وكونهم آلهة ذلك على زعمهم والوقف عليه حسن عندنا تام وابتدأ إبراهيم بقوله هذا قولي فالخبر محذوف يدل عليه مساق القصة فاسألوهم إن كانوا ينطقون فهم يخبرونكم ولو نطقت الأصنام في ذلك الوقت لنسبت الفعل إلى الله لا إلى إبراهيم فإنه مقرر عند أهل الكشف من أهل طريقنا إن الجماد والنبات والحيوان قد فطرهم الله على معرفته وتسبيحه بحمده فلا يرون فاعلا إلا الله ومن كان هذا في فطرته كيف ينسب الفعل لغير الله فكان إبراهيم على بينة من ربه في الأصنام أنهم لو نطقوا لأضافوا الفعل إلى الله لأنه ما قال لهم سلوهم إلا في معرض الدلالة سواء نطقوا أو سكتوا فإن لم ينطقوا يقول لهم لم تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم من الله شيئا ولا عن نفسه ولو نطقوا لقالوا إن الله قطعنا قطعا لا يتمكن في الدلالة أن تقول الأصنام غير هذا فإنها لو قالت الصنم الكبير فعل ذلك بنا لكذبت ويكون تقريرا من الله بكفرهم وردا على إبراهيم عليه السلام فإن الكبير ما قطعهم جذاذا ولو قالوا في إبراهيم إنه قطعنا لصدقوا في الإضافة إلى إبراهيم ولم تلزم الدلالة بنطقهم على وحدانية الله ببقاء الكبير فيبطل كون إبراهيم قصد الدلالة فلم تقع ولم يصدق وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه فكانت له الدلالة في نطقهم لو نطقوا كما قررنا وفي عدم نطقهم لو لم ينطقوا ومثل هذا ينبغي أن يكون قصد الأنبياء عليهم السلام فهم العلماء صلوات الله عليهم ولهذا رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فقال الله لمثل هؤلاء أتعبدون ما تنحتون فكان من فتوته إن باع نفسه في حق أحدية خالقه لا في حق خالقه لأن الشريك ما ينفي وجود الخالق وإنما يتوجه على نفي الأحدية فلا يقوم في هذا المقام إلا من له القطبية في الفتوة بحيث يدور عليه مقامها ومن الفتوة قوله تعالى وإذ قال موسى لفتاه فأطلق عليه باللسان العبراني معنى يعبر عنه في اللسان العربي بالفتى وكان في خدمة موسى عليه السلام وكان موسى في ذلك الوقت حاجب الباب فإنه الشارع في تلك الأمة ورسولها ولكل أمة باب خاص إلهي شارعهم هو حاجب ذلك الباب الذي يدخلون منه على الله تعالى ومحمد صلى الله عليه وسلم هو حاجب الحجاب لعموم رسالته دون سائر الأنبياء عليهم السلام فهم حجبته صلى الله عليه وسلم من آدم عليه السلام إلى آخر نبي ورسول وإنما قلنا إنهم حجبته لقوله صلى الله عليه وسلم آدم فمن دونه تحت لوائي فهم نوابه في عالم الخلق وهو روح مجرد عارف بذلك قبل نشأة جسمه قيل له متى كنت نبيا فقال كنت نبيا وآدم بين الماء والطين أي لم يوجد آدم بعد إلى أن وصل زمان ظهور جسده المطهر صلى الله عليه وسلم فلم يبق حكم لنائب من نوابه من سائر الحجاب الإلهيين وهم الرسل
(٢٤٣)