نفسه لا إلى غيره وجعل النور المضاف إلى السماوات والأرض هاديا إلى معرفة نوره المطلق كما جعل المصباح هاديا إلى نوره المقيد بالإضافة وتمم ذلك بقوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم نهانا عن مثل هذا فقال فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون والله اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية محيط بمعانيها كلها وضرب الأمثال يخص اسما واحدا معينا فإن ضربنا الأمثال لله وهو اسم جامع شامل فما طبقنا المثال على الممثل فإن المثال خاص والممثل به مطلق فوقع الجهل بلا شك فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص كما فعل الله في هذه الآية فقال الله وما ضرب المثل للاسم الله وإنما عين سبحانه اسما آخر وهو قوله نور السماوات والأرض فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف أي هكذا فافعلوا ولا تضربوا الأمثال لله فإني ما ضربتها فافهموا فهمنا الله وإياكم مواقع خطابه وجعلنا ممن تأدب بما عرفناه من آدابه أنه اللطيف بإحبابه (فصل بل وصل في وقت صلاة المغرب الشاهد) اختلف علماؤنا في وقت صلاة المغرب هل لها وقت موسع كسائر الصلوات أم لا فمن قائل إن وقتها واحد غير موسع ومن قائل إن وقتها موسع وهو ما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق وبه أقول اعتبار الباطن في ذلك اعلم أنه إنما وقع الاختلاف لما كانت صلاة المغرب وترا والوتر أحدي الأصل فينبغي أن يكون لها وقت واحد من أجل المناسبة في الوترية ولذلك ورد في إمامة جبريل عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد في أول فرض الصلوات لأن الملك أقرب إلى الوترية من البشر والمغرب وتر صلاة النهار كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يزيدنا الله وتر صلاة الليل إن الله قد زادكم صلاة إلى صلاتكم وذكر صلاة الوتر فأوتروا يا أهل القرآن فشبهها بالفرائض وأمر بها ولهذا جعلها من جعلها واجبة دون الفرض وفوق السنة وأثم من تركها ونعم ما نظر وتفقه ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد شرع وتر صلاة الليل وزاده إلى الصلاة المفروضة وفيها المغرب وهو وتر صلاة النهار وقال إن الله وتر يحب الوتر فقيد المغرب بوترية صلاة النهار وقيد الوتر بوترية صلاة الليل وقال إن الله وتر يحب الوتر يعني يحب الوتر لنفسه فشرع لنا وترين ليكون شفعا لأن الوترية في حق المخلوق محال قال تعالى ومن كل شئ خلقنا زوجين حتى لا تنبغي الأحدية إلا لله ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد شرع وتر صلاة الليل ليشفع به وتر صلاة النهار لينفرد سبحانه بحقيقة الوترية التي لا تقبل الشفعية فإنه ما ثم في نفس الأمر إله آخر يشفع وترية الحق تعالى كما شفعت وترية صلاة الليل وترية صلاة النهار فكان مما قال فيه ومن كل شئ خلقنا زوجين فخلق وترين فكان كل واحد منهما يشفع وترية صاحبه ولهذا لم يلحقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة النافلة بل قال زادكم صلاة إلى صلاتكم يعني الفرائض ثم أمر بها أمته فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إمامة جبريل عليه السلام به صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة صلى بالناس يومين صلى في اليوم الأول في أول الأوقات وصلى في اليوم الثاني في آخر الأوقات الصلوات الخمس كلها وفيها المغرب ثم قال للسائل الوقت ما بين هذين فجعل للمغرب وقتين كسائر الصلوات وألحقها بالصلاة الشفعية وإن كانت وترا ولكنها وتر مفيد شفعية وتر صلاة الليل فوسع وقتها كسائر الصلوات وهو الذي ينبغي أن يعول عليه فإنه متأخر عن إمامة جبريل فوجب الأخذ به فإن الصحابة كانت تأخذ بالأحدث فالأحدث من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان صلى الله عليه وسلم كان يثابر على الصلاة في أول الأوقات فلا يدل ذلك على أن الصلاة ما لها وقتان وما بينهما فقد أبان عن ذلك وصرح به وما عليه صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ والبيان وقد فعل صلى الله عليه وسلم فهذا اعتبار وتعليل يهدي إلى الحق وإلى سواء السبيل (فصل بل وصل في وقت صلاة العشاء الآخرة) اختلفت علماء الشريعة في وقتها في موضعين في أول وقتها وآخر وقتها فمن قائل إن أول وقتها مغيب حمرة الشفق وبه أقول ومن قائل إن أول وقتها مغيب البياض الذي يكون بعد الحمرة والشفق شفقان وهو سبب الخلاف فالشفق الأول صادق والبياض الذي بعده هو الشفق الثاني تقع فيه الشبهة فإنه قد يشبه أن يكون شبه الفجر الكاذب الذي هو ذنب
(٣٩٤)