وشفتان يشهدان لمن قرأهما بحق والأخبار النبوية في ذلك كثير وأما ما نعلمه من طريق الكشف فلا يتمكن لي أن أذكره إلا أن سورة ص منبع الأنوار عاينت ذلك مشاهدة فيا أيها الإمام في صلاة الجمعة إن قصدت المناسبة فاقرأ فيها سورة الجمعة وما ثبت أنه قرأ به رسول الله ص فالله يقول لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة واقرأ بسبح اسم ربك الأعلى تنزه الحق عما يظهر في هذه العبادة من الأفعال من حيث إنه قال لنا عن نفسه أنه يصلي علينا فنسبحه عن التخيل الذي يتخيله الوهم من الإنسان من قوله يصلي بسبح اسم ربك الأعلى وإذا جاء المنافقون وهل أتاك حديث الغاشية مناسبتان لما تتضمنه الخطبة من الوعد والوعيد فتكون القراءة في صلاة الجمعة تناسب ما ذكر به الإمام في الخطبة فيجمع بين الاقتداء والتناسب (وصل في فصل الغسل يوم الجمعة) غسل الجمعة واجب على كل محتلم عندنا وهو لليوم وإن اغتسل فيه للصلاة فهو أفضل أما الغسل يوم الجمعة فالجماعة على أنه سنة وقوم قالوا إنه فرض وبه أقول والقائلون بوجوبه منهم من قال إنه واجب لليوم وهو قولنا وإن اغتسل قبل الصلاة للصلاة فهو أفضل ومنهم من قال إنه واجب قبل صلاة الجمعة (وصل الاعتبار في ذلك) الطهارة العامة لباطن الإنسان الذي هو قلبه بالحياة الباطنة للمعرفة بالله التي فيها وبها حياة القلوب من حيث ما تعطيها صلاة الجمعة من جهة أنه سبحانه واضع لهذه العبادة الخاصة بهذه الصورة فإنه من أعظم الهداية التي هدى الله إليها هذه الأمة خاصة فإنه اليوم الذي اختلفوا فيه فهدى الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وذلك أن الله اصطفى من كل جنس نوعا ومن كل نوع شخصا واختاره عناية منه بذلك المختار أو عناية بالغير بسببه وقد يختار من الجنس النوعين والثلاثة وقد يختار من النوع الشخصين والثلاثة والأكثر فاختار من النوع الإنساني المؤمنين واختار من المؤمنين الأولياء واختار من الأولياء الأنبياء واختار من الأنبياء الرسل وفضل الرسل بعضهم على بعض ولولا ورود النهي من الرسول ص في قوله لا تفضلوا بين الأنبياء لعينت من هو أفضل الرسل لكن أعلمنا الله أنه فضل بعضهم على بعض فمن وجد نصا متواترا فليقف عنده أو كشفا محققا عنده ومن كان عنده الخبر الواحد الصحيح فليحكم به إن تعلق حكمه بأفعال الدنيا وإن كان حكمه في الآخرة فلا يجعله في عقده على التعيين وليقل إن كان هذا عن الرسول في نفس الأمر كما وصل إلينا فإنا مؤمن به وبكل ما هو من عند رسول الله ص وعن الله مما علمت ومما لم أعلم فإنه لا ينبغي أن يجعل في العقائد إلا ما يقطع به إن كان من النقل فما ثبت بالتواتر وإن كان من العقل فما ثبت بالدليل العقلي ما لم يقدح فيه نص متواتر فإن قدح فيه نص متواتر لا يمكن الجمع بينهما اعتقد النص وترك الدليل والسبب في ذلك أن الايمان بالأمور الواردة على لسان الشرع لا يلزم منها أن يكون الأمر الوارد في نفسه على ما يعطيه الايمان فيعلم العاقل أن الله قد أراد من المكلف أن يؤمن بما جاء به هذا النص المتواتر الذي أفاده التواتر أن النبي ص قاله وإن خالف دليل العقل فيبقى على علمه من حيث ما هو علم ويعلم أن الله لم يرد به بوجود هذا النص أن يعلق الايمان بذلك المعلوم لا أنه يزول عن علمه ويؤمن بهذا النص على مراد الله به فإن أعلمه الحق في كشفه ما هو المراد بذلك النص القادح في معلومه آمن به في موضعه الذي عينه الحق له بالنظر إلى من هو المخصوص بذلك الخطاب ومثل هذا الكشف يحرم علينا إظهاره في العامة لما يؤدي إليه من التشويش فلنشكر الله على ما منحه فهذه مقدمة نافعة في الطريق ولما اختص الله من الشهور شهر رمضان وسماه باسمه تعالى فإن من أسماء الله رمضان كذلك اختص الله من أيام الأسبوع يوم العروبة وهو يوم الجمعة وعرف الأمم أن لله يوما اختصه من هذه السبعة الأيام وشرفه على سائر أيام الأسبوع ولهذا يغلط من يفضل بينه وبين يوم عرفة ويوم عاشوراء فإن فضل ذلك يرجع إلى مجموع أيام السنة لا إلى أيام الأسبوع ولهذا قد يكون يوم عرفة يوم الجمعة ويوم عاشوراء يوم الجمعة ويوم الجمعة لا يتبدل لا يكون أبدا يوم السبت ولا غيره ففضل يوم الجمعة ذاتي لعينه وفضل يوم عرفة وعاشوراء لأمور عرضت إذا وجدت في أي يوم كان من أيام الأسبوع كان الفضل لذلك اليوم لهذه الأحوال العوارض فتدخل مفاضلة عرفة وعاشوراء في المفاضلة بين الأسباب العارضة الموجبة للفضل
(٤٦٥)