بين من يسمع الخطبة وبين من لا يسمعها فإن سمع أنصت وإن لم يسمع جاز له أن يسبح أو يتكلم في مسألة من العلم والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلاته وروى عن ابن وهب أنه قال من لغا فصلاته ظهر أربع وأما القائلون بوجوب الإنصات وهم الجمهور فانقسموا ثلاثة أقسام قسم أجازوا التشميت ورد السلام في وقت الخطبة وبه قال الأوزاعي والثوري ومنهم من لم يجز رد السلام ولا التشميت وبعضهم فرق فقال برد السلام ولا يشمت (وصل الاعتبار في ذلك) إنما شرع الوعظ والتذكير للاصغاء إلى ما يقول الواعظ والمذكر وهو الخطيب الداعي إلى الله والإنصات له في حال كلامه ليرى ما يجري الله على لسان عبده فالخطيب نائب الحق فكان الحق هو المكلم عباده فوجب الإنصات والإصغاء إلا فيما أمر به مثل رد السلام وتشميت العاطس إذا حمد الله فمن رأى أن الحق هو المتكلم وجب عليه الإنصات ولكن مع السماع ولا سيما عند قراءة القرآن في الخطبة فإن لم يسمع فينبغي له في تلك الحال أن يكون مشغولا بما هو الخطيب به مشتغل من ذكر الله والثناء عليه ووعظ نفسه وزجره إياها وتقريره نعم الله على نفسه وقراءة القرآن ولكن كل ما وقع من هذا كله فليكن كما قال وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا فهكذا يكون ذكره ولا يسمع الخطبة لبعده عن الخطيب أو لصمم قام بسمعه فالإنسان واعظ نفسه (وصل في فصل من جاء يوم الجمعة والإمام يخطب هل يركع أم لا) اختلف العلماء فيمن هذه حاله فمن قائل يركع وبه أقول ومن قائل لا يركع (وصل الاعتبار في ذلك) الركوع الخضوع لله وهو واجب أبدا على العالم كله ما دام ذاكر الله لم يغفل وكل ما سوى الجن والإنس فهو ذاكر لله مسبح بحمده فإن ذكر الله الذاكر منا ولم يخشع قلبه ولا خضع عند ذكره إياه فلم يحترم الجناب الإلهي ولم يأت بما ينبغي له من التعظيم وأول ما يمقته جوارحه وجميع أجزاء بدنه ومعلوم قطعا إن الآتي إلى الجمعة سيحضر بدخول المسجد ورؤية الخطيب وقصده الصلاة إنه ذاكر لله وقد أمره الله على لسان الترجمان رسول الله ص الذي قال تعالى في حق من أطاعه من يطع الرسول فقد أطاع الله وقد أمر بتحية المسجد قبل أن يجلس وما ورد نهي برفع هذا الأمر غير أنه إذا ركع لا يجهر بتكبير ولا بقراءة بل يسر ذلك جهد الطاقة ولا يسره ولا يزيد على التحية شيئا ولا سيما إن كان بحيث يسمع الإمام والداخل والإمام يخطب قد أبيح له أن يسلم وما خطأه أحد في ذلك ولم يؤمر الداخل بالسلام وإنما الأمر تعلق يرد السلام لا بابتداء السلام فالركوع عند دخول السلام أولى أن يجوز له لورود الأمر بالصلاة للداخل قبل أن يجلس والصلاة خير موضع ولكن لا يزيد على الركعتين شيئا فإن قدر أن لا يقعد فلا ركوع عليه فإن أراد الجلوس ركع ولا بد فإنه إذا أنصف الإنسان ما ثم ما يعارض الراكع إذا دخل المسجد (وصل في فصل ما يقرأ به الإمام في صلاة الجمعة) اختلف الناس في ذلك فمن قائل إن صلاة الجمعة كسائر الصلوات لا يعين فيها قراءة سورة بعينها بل يقرأ بما تيسر ومن الناس من اقتصر على ما قرأ به رسول الله ص فيها غالبا مما قد ثبتت به الرواية عنه وهي صورة الجمعة في الركعة الأولى والمنافقين في الثانية وقد قرأ سورة الغاشية بدلا من المنافقين وقد قرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالغاشية والذي أقول به أن لا توقيت والاتباع أولى (وصل الاعتبار في ذلك) المناجى هو الله والمناجي اسم فاعل هو العبد والقرآن كلام الله وكل كلامه طيب والفاتحة لا بد منها والسورة منزل من المنازل من مائة وثلاثة عشر منزلا عند الله والقرآن قد ثبت في الأخبار تفاضل سورة وآية بعضه على بعض في حق القارئ بالنسبة لما لنا فيه من الأجر وقد ورد أن آية الكرسي سيدة آي القرآن لأنه ليس في القرآن آية يذكر الله فيها بين مضمر وظاهر في ستة عشر موضعا منها إلا آية الكرسي هذا في الآيات وجاء في السور أن سورة يس تعدل قراءتها قراءة القرآن عشر مرات وقراءة تبارك الذي بيده الملك تجادل عن قاريها في قبره وسورة إذا زلزلت تعدل نصف القرآن وقل يا أيها الكافرون ربع القرآن وكذلك إذا جاء نصر الله وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ولكل واحدة من التي ذكرناها في المفاضلة معنى معقول وأن الزهراوين البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة ولهما عينان ولسانان
(٤٦٤)