مجيبا دعاءك لبيك ومساعدة لما تريده مني على نفسي بالقبول ثم يقول والخير كله بيديك لما كان هو الخير المحض فإنه الوجود الخالص المحض الذي لم يكن عن عدم ولا إمكان عدم ولا شبهة عدم كان الخير كله بيديه ثم يقول والشر ليس إليك يقول ولا يضاف الشر إليك والشر المحض هو العدم أي لا يضاف إليك عدم الخير ولا ينبغي لجلالك وأتى بالألف واللام لشمول أنواع الشر أي الشر المطلق والشر المقيد بالصور الخاصة هذا كله ليس إليك أي ما سميته شرا أو هو شر لا ينبغي أن يضاف إليك أدبا وحقيقة وأقوى ما يحتج به المخالف في هذه المسألة قوله تعالى كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وقوله ومن يضلل الله فما له من هاد فاعلم إن مطلق الضلالة الحيرة والجهل بالأمر وبطريق الحق المستقيم فقوله يضل الله من يشاء أي من عرفه بطريق الضلالة فإنه يضل فيها ومن عرفه بطريق الهداية فإنه يهتدي فيها مثل قوله في الهداية ليس كمثله شئ وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وما قدروا الله حق قدره ولم يكن له كفوا أحد فالعقل السليم يهتدي به عند ما يسمع مثل هذا من الحق ولذا قال ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقوله ومن أتاني يسعى أتيته هرولة وأمثال هذه فإن العقل السليم يحار في مثل هذه الأخبار ويتيه فهذا معنى يضل أي يحير العقول بمثل هذه الخطابات الصادرة من الله على ألسنة الرسل الصادقة المجهولة الكيفية ولا يتمكن للعقل أن يهتدي إلى ما قصده الحق بذلك مما لا يليق بالمفهوم ثم يرى العقل أنه سبحانه ما خاطبنا إلا لنفهم عنه والمفهوم من هذه الأمور يستحيل عليه سبحانه من كل وجه يفهمه العبد بضرب من التشبيه المحدث أما من طريق المعنى المحدث أو من طريق الحس ولا يتمكن للعقل أن لا يقبل هذا الخطاب فيحار فثم حيرة يخرج عنها العبد ويتمكن له الخروج منها بالعناية الإلهية وثم حيرة لا يتمكن له الخروج عنها بمجرد ما أعطى الله للعقل من أقسام القوة التي أيده الله بها فيحار الدال في المدلول لعزة الدليل ثم يجئ الشرع بعد هذا في أمور قد حكم العقل بدليله على إحالتها فيثبت الشرع ألفاظا تدل على وجوب ما أحاله فيقبل ذلك إيمانا ولا يدري ما هو فهذا هو الحائر المسمى ضالا وقد روى أنه قال زدني فيك تحيرا أي أنزل إلي نزولا يحيله العقل من جميع وجوهه ليعرف عجزه عن إدراك ما ينبغي لك ولجلالك من النعوت وأما الشقاء والسعادة المعبر بهما عن الأمور التي تتألم بها النفوس وتتنعم فذلك مطلب عام للنفوس من حيث الحس والمحسوس وهذا الذي نحن بصدده أمر آخر يرجع إلى معرفة الحقائق ثم يقول أنا بك وإليك أي بك ابتداء لا بنفسي وهو قولنا إن الإنسان موجود بغيره وقوله وإليك أي وإليك يرجع عين وجودي فما أنا هو أنت هو فإنه ما استفدت منك إلا الوجود وأنت عين الوجود وأنا على أصل ذاتي من العدم ما تغير على حكم ولا حال في إمكاني لا أبرح ثم يقول تباركت أي البركة والزيادة لك لا لي يقول أنت الوجود لك ثم كسوتنيه ولم أكن فكانت البركة والزيادة في الوجود حيث ظهر بنسبتين فظهر بي وهو وجودك ونسب إليك وهو عينك ثم يقول وتعاليت أي فإنك تتعالى أن تظهر بغيرك فلا يكون الوجود المنسوب إليك غير هويتك هذا معنى قوله تباركت وتعاليت ثم يقول أستغفرك وأتوب إليك يقول أطلب التستر منك في اتصافي بالوجود لئلا أغيب عن حقيقتي فادعى الوجود وهو ليس أنا بل هو أنت وما أنا أنت فإنا أنا على ما أنا عليه لذاتي وأنت أنت على ما أنت عليه لذاتك ومني فلك الظهور في بما وصفتني به من الوجود وما لي ظهور فيك بما أنا عليه في حقيقتي من الإمكان ثم يقول وأتوب إليك أي وأرجع إليك من حيث ما وصفت به من الوجود إذ كنت أنت هو عين الوجود والموصوف به أنا فرجوعه إليك هو قولي وأتوب إليك وفرع ما يقوله العبد من الدعاء والتوجيه بين التكبير والقراءة فلنشرع إن شاء الله تعالى في قراءة الفاتحة بلسان العلماء بالله في حال الصلاة لا في حال غيره (وصل في اعتبار قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة) اعلم أن العالم بالله إذا فرع من الذي ذكرناه يشرع في القراءة على حد ما أمره الله به عند قراءة القرآن من التعوذ لكونه قارئا لا لكونه مصليا ولما علمتك إن الله يقول عند قراءة العبد القرآن كذا جوابا على حكم الآية التي يقرأها فينبغي للإنسان إذا قرأ الآية أن يستحضر في نفسه ما تعطيه تلك الآية على قدر فهمه فإن الجواب يكون مطابقا لما استحضرته
(٤٢٠)