خلق الأشياء من أجله لا من أجلنا فما لنا شئ نوكله فيه لكن نحن وكلاؤه في الأشياء فحد لنا حدودا فنتصرف فيها على ما حد لنا فإن زدنا على ما رسم لنا أو نقصنا عاقبنا فلو كانت الأموال لنا لكان تصرفنا فيها مطلقا وما وقع الأمر هكذا بل حجر علينا التصرف فيها فما هي وكالة مفوضة بل مقيدة بوجوه مخصوصة من رب المال الذي هو الحق الموكل وعلى كل وجه فالنيابة حاصلة إما منه تعالى وإما منا وقد ثبتت في أي طرف كان انتهى الجزء الثاني والستون (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل في فصل صفة النائب في الحج) اختلف علماء الرسوم سواء كان المحجوج عنه حيا أو ميتا هل من شرطه أن يكون قد حج عن نفسه أم لا فمن قائل ليس من شرطه أن يكون قد حج عن نفسه وإن كان قد حج عن نفسه فهو أفضل ومن قائل إن من شرطه أن يكون قد قضى فريضته وبه أقول اعلم أنه من رأى أن الإيثار يصح في هذا الطريق قال لا يشترط فيه إن يكون قد حج عن نفسه وألحق ذلك بالفتوة حيث نفع غيره وسعى في حقه قبل سعيه في حق نفسه فله ذلك ولا سيما إن رأى أن مثل هذا الفعل هو في حق نفسه لما لها في الإيثار من الأجر فما آثر إلا نفسه ومن رأى أن حق نفسه أوجب عليه من حق غيره وعامل نفسه معاملة الأجنبي وإنها الجار الأحق فهو بمنزلة من قال لا يحج عن غيره حتى يكون قد حج عن نفسه وهو الأولى في الاتباع وهو المرجوع إليه لأنه الحقيقة وذلك أنه إن سعى أولا في حق نفسه فهو الأولى بلا خلاف وإن سعى في حق غيره فإن سعيه فيه إنما هو في حق نفسه فإنه الذي يجني ثمرة ذلك بالثناء عليه والثواب فيه فلنفسه سعى في الحالتين ولكن يسمى بسعيه في حق غيره مؤثر التركة فيما يظهر حق نفسه لحق غيره الواجب على ذلك الغير لا عليه فإنه في هذا أدى ما لا يجب عليه وجزاء الواجب أعلى من جزاء غير الواجب لاستيفاء عين العبودية في الواجب وفي الآخر رفعة وامتنان حالي على المتفتي عليه فهو قائم في حق الغير بصفة إلهية لأن لها الامتنان وهو في قيام حق نفسه من طريق الوجوب تقيمه صفة عبودية محضة وهو المطلوب الصحيح من العبد الذي يضيف الفعل المذموم والمكروه في الطبع والعادة والعرف إلى نفسه إيثارا منه لجناب ربه حتى لا ينسب إليه ما جرى عليه لسان ذم كالذنب ولسان كراهة الطبع كالمرض وسائر العيوب غيرة على ذلك الجناب الإلهي وفداء له بنفسه وكذلك لو وقى عرض أخيه بعرضه كالمؤمن مع المؤمن ووقى ضررا كبيرا من نبي ورسول بنفسه كان أعلى ممن لم يفعل ذلك وآثر نفسه وهذا يرجع إلى قدر من آثرته على نفسك فمن راعى الإيثار والفتوة عمم ومن راعى من آثرته قسم الأمر إلى ما ذكرناه فهو بحسب ما يقام فيه ويخطر له هذا كله ما لم يقع فيه إجارة فإن وقعت النيابة بإجارة فلها حكم آخر (وصل في الرجل يؤاجر نفسه في الحج) فكرهه قوم مع الجواز ومنعه قوم العمل يقتضي الأجرة لذاته وهي العوض في مقابلة ما أعطى من نفسه وما بقي إلا ممن تؤخذ فمنا من قال لا يأخذه من الله تعالى لأنه المستخدم لنا في ذلك العمل فالأجرة عليه ما من نبي ولا رسول إلا قد قال إذ قيل له قل فأمر فقال ما أسألكم عليه من أجر يعني في التبليغ إن أجري إلا على الله فما خرجوا عن الأجرة والتبليغ عن الله من أفضل القرب إلى الله وإن الله استخدمه في التبليغ مع كونه عبدا فتعينت عليه الأجرة سبحانه بتعيينه عوضا مما أعطاه من نفسه فيما استخدمه فيه وترك مباحة الذي هو له وتخييره ومن رأى أن العوض إنما يستحقه من وقعت له المنفعة في ذلك التبليغ طلب الأجرة من المتعلم لأن المنفعة هو حصلها فالعوض يطلب منه فموضع الإجماع ثبوت الإجارة لأن المانع لا يمنعها وإنما يمنعها الخلق من جانب الحق غيرة إن يعبد لأمر لا لعينه لما في ذلك من عدم تعظيم الجناب الإلهي وهذا موجود كثير مثل النهي أن يفرد يوم الجمعة بصيام لعينه وكذلك قيام ليلتها وكذلك من يستحسن فعل عبادة بموضع يستحسنه وليس هذا من شأن القوم فإنهم قد أدركوا حرمان ذلك ذوقا وخسرانه مر رجل من القوم مع جماعة ممن سخر لهم الهواء وهم يسيرون فيه فالتفت واحد منهم في طريقه فنظر إلى الأرض وإذا هم قد جازوا
(٦٧٢)