وينسى نفسه وقد قال له ربه ابدأ بنفسك وشرع له ذلك حتى في الدعاء إذا دعا الله لأحد أن يبدأ بنفسه أحق وغذاء الأرواح الطاعات فهي محتاجة إليها ومن جملة طاعاتها الأمر بالطاعات فيقوم هذا الغافل القليل الحياء من الله فيأمر غيره بالبر وهو على الفجور وينسى نفسه فلا يأمرها بذلك فهو بمنزلة من يغذي غيره ويترك نفسه وهو في غاية الحاجة إلى ذلك الغذاء ونفسه أوجب عليه من ذلك الغير والسبب في ذلك ما أبينه لك إن شاء الله (وصل) وذلك أن جميع الخيرات صدقة على النفوس أي خير كان حسا ومعنى فينبغي للمؤمن أن يتصرف في ذلك بشرع ربه لا بهواه فإنه عبد مأمور تحت أمر سيده فإن تعدى شرع ربه في ذلك لم يبق له تصرف إلا هوى نفسه فسقط عن تلك الدرجة العلية إلى ما هو دونها عند العامة من المؤمنين وأما عند العارفين فهو عاص فإذا خرج الإنسان بصدقته فأول محتاج يلقاه نفسه قبل كل نفسه محتاجة وهو إنما أخرج الصدقة للمحتاجين فإن تعدى أول محتاج فذلك لهواه لا لله فإن الله قال له ابدأ بنفسك وهي أول من يلقاه من أهل الحاجة وقد شرع له في الإحسان أن يبدأ بالجار الأقرب فالأقرب فإن رجح إلا بعد في الجيران على الأقرب مع التساوي في الحاجة فقد اتبع هواه وما وقف عند حد ربه وهذا سار في جميع أفعال البر وسبب ذلك الغفلة عن الله تعالى فأمر بالصفة التي تحضره مع الله وهي الصلاة (وصل) ومن تأثير الصلاة بالحال قول الله للمؤمنين اذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون فأمرهم بالذكر والشكر أمرهم أن يستعينوا على ذلك بالصبر والصلاة وأخبرهم أن الله مع الصابرين عليها وعلى كل مشقة ترضي الله مما كلف عباده بها لأن الصبر من المقامات المشروطة بالمشقات والمكاره والشدائد المعنوية والحسية وجعل الصبر هنا لما ذكرناه وللتطابق في قوله واشكروا لي ولا تكفرون والشكر من المقامات المشروطة بالنعماء والمحبة ليس للبلاء في الشكر دخول ولا للصبر في النعم دخول كما يراه من لا معرفة له بحقائق الأمور فالصلاة هنا والصبر عليها وهو الدوام والثبات وحبس النفس عليها مؤثرة في الذكر والشكر فالصبر هنا هو قوله وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها فلذلك ذكر الصبر مع الصلاة فكما يؤثر الصبر على الذكر والشكر في الذكر والشكر كذلك يؤثر في الصلاة سواء وتؤثر الصلاة من حيث الصبر عليها في الذكر والشكر ومن حيث هي صلاة وذلك أن الصلاة مناجاة بين الله وبين عبده فإذا ناجى العبد ربه فأولى ما يناجيه به من الكلام كلامه الذي شرع له أن يناجيه به وهو قراءة القرآن في أحوال الصلاة من قيام وهو قراءة الفاتحة وما تيسر معها من كلامه ومن ركوع وهو قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم في ركوعه فهو ذاكر ربه في صلاته بكلامه المنزل وكذلك في سجوده يقول سبحان ربي الأعلى فإنه لما نزل قوله سبح اسم ربك الأعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم فأمرنا الله بذكره وشكره والفاتحة تجمع الذكر والشكر وهي التي يقرأها المصلي في قيامه فالشكر فيها قوله الحمد لله رب العالمين وهو عين الذكر بالشكر إلى كل ذكر فيها وفي سائر الصلاة فذكر الله في حال الصلاة وشكره أعظم وأفضل من ذكره سبحانه وشكره في غير الصلاة فإن الصلاة خير موضوع العبادات وقد أثرت هذه الصلاة في الذكر هذا الفضل وهو يعود على الذاكر وينبغي لكل من أراد أن يذكر الله تعالى ويشكره باللسان والعمل أن يكون مصليا وذاكرا بكل ذكر نزل في القرآن لا في غيره وينوي بذلك الذكر والدعاء الذي في القرآن ليخرج عن العهدة فإنه من ذكره بكلامه فقد خرج عن العهدة فيما ينسب في ذلك الذكر إلى الله وليكون في حال ذكره تاليا لكلامه فيقول من التسبيحات ما في القرآن ومن التحميدات ما في القرآن ومن الأدعية ما في القرآن فتقع المطابقة بين ذكر العبد بالقرآن لأنه كلام الله وبين ذكر الله إياه في قوله أذكركم فيذكر الله الذاكر له أيضا وذكره كلامه فتكون المناسبة بين الذكرين فإذا ذكره بذكر يخترعه لم تكن تلك المناسبة بين كلام الله في ذكره للعبد وبين ذكر العبد فإن العبد هنا ما ذكره بما جاء في القرآن ولا نواه وإن صادفه باللفظ ولكن هو غير مقصود ثم إن هذا الذكر بالقرآن جاء في الصلاة فالتحقق بالأذكار الواجبة والأذكار الواجبة عند الله أفضل فإن العبد مأمور بقراءة الفاتحة في الصلاة ولهذا أوجبها من أوجبها من العلماء وكذلك العبد مأمور بالتسبيح في الركوع والسجود بما نزل في القرآن وهو قوله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم واجعلوها في سجودكم فأمر والمصلي مأمور
(٥٤٣)