ما يعطيه إيمانه فينزه ربه إيمانا لا عقلا ويأخذ العلم والحكمة حيث وجدها ولا ينظر إلى المحل الذي جاء بها وإن العاقل يعرف الرجال بالحق وغير العاقل يعرف الحق بالرجال وهذا من أكبر أغاليط النظر فإن المعنى الذي يندرج في اللفظ الذي يقصد به المتكلم إيضاح أمر هو في الحق المطلوب يقبله الجاهل من الرسول إذا جاء به ويحيله ويرده من الوارث والولي إذا جاء به فلو قبل العلم لذات العلم لكان ممن تذكر فإن الله تعالى يقول في حق ما أنزل من القرآن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب به ثلاث طبقات من الناس فهو في حق طائفة بلاغ يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند الله لا يعرفون غير ذلك وطائفة تلاه عليها ليدبروا آياته أي يتفكروا فيها حتى يعلموا أن الآتي بها لم يأت بها من نفسه بل هي من عند مرسله سبحانه وليتذكر أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل أي ما جاءوا بما تحيله الأدلة الغامض إدراكها فإنها لب الدلالات وهم أهل الكشف والجمع والوجود فمن لم يحصل ما ذكرناه في سجوده هذه السجدة فما سجد (وصل السجدة الحادية عشرة) وهي لنا سجدة شكر في حضرة الأنوار ولصاحبها سجدة توبة لا من حوبة وليست من عزائم السجود وهذه سجدة سورة صلى الله عليه وسلم في قوله وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فسجدها توبة وشكرا معا والظن على بابه يقول ظن داود أنما اختبرناه فإن الفتنة في اللسان الاختبار تقول العرب فتنت الفضة على النار أي اختبرتها فطلب طلبا مؤكدا الستر من ربه فإن الاستفعال يؤذن بالتأكيد ووقع خاضعا ورجع إلى الله فيما طلب عنه لا لحوله وقوته وهذا دليل على أنه كان عنده من القوة ما يستتر به فلم يفعل ورجع إلى الله في ذلك ويؤيد هذا قول الله له ولا تتبع الهوى فلو لم يكن في قوته التحكم به فيما يريده ما نهى عنه فقضينا حاجته فيما رجع إلينا فيه وسترناه عن الأغيار في حضرتنا فجهل قدره مع تصريحنا بخلافته عنا في الحكم في عبادي والتحكم والتصريف ثم قال وإن له عندنا لزلفى مما هو له منا لا يرجع من ذلك إلى الأكوان والأغيار شئ وحسن مآب وخاتمة حسنة أي مشهود لأن الحسنة والحسنى من الإحسان وهو مقام الشهود الذي يعطي الحقائق على ما هي عليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الإحسان لجبريل عليه السلام بما أشرنا إليه فمن سجد هذا السجود وهو سجود الإنابة وفي السجود فيها خلاف فإذا سجدها الإنسان ولم يجد فيها ما وجد داود عليه السلام من التقريب الإلهي وعلم خاتمة أمره وبماذا يختم له ونهاية مقامه ومنزلته عند ربه في الدار الآخرة هذا إذا سجدها سجود داود وإذا سجدها سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجد الزيادة في جميع أحواله في كل حال بما يليق به من علم وعمل في كل دار بما يليق بتلك الدار فإن الزيادات في الدار بحسب ما وضعت لها فالدنيا دار تكليف وعمل والآخرة دار جزاء والدنيا أيضا دار جزاء لمن عقل عن الله هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر زاد في عبادته ربه فقام حتى تورمت قدماه شكر الله على ذلك وهذا جزاء العبد على المغفرة فهي دار جزاء فيوم الدين هو يوم الدنيا والآخرة فوضع الحدود جزاء وجازى أهل الشقاء بما عملوه من مكارم الأخلاق في الدنيا ما أنعم به عليهم من النعم حتى انقلبوا إلى الآخرة وقد جنوا ثمر خيرهم في الدنيا فلو لم تكن الدنيا أيضا دار جزاء ما كان هذا فمن لم يدرك في سجوده أمثال هذه العلوم فلم يسجد (وصل السجدة الثانية عشرة) وهي سجدة الاجتهاد وبذل المجهود فيما ينبغي لجلال الله من التعظيم والالتذاذ به وهي في حم السجدة وفي موضع سجودها خلاف فقيل عند قوله إن كنتم إياه تعبدون فمن سجد هنا جعلها سجدة شرط ومن سجدها عند قوله لا يسامون كانت عنده سجدة نشاط ومحبة لما كانت حاجة الخلق إلى الليل ليسكنوا فيه ويتخذوه لباسا يحول بينهم وبين أعين الناظرين وإلى النهار ليتسببوا فيه في تحصيل أقواتهم ورأوا أن الشمس يكون النهار بطلوعها ويكون الليل بغروبها نسبوا وجود الليل والنهار إليها فعبدوها وهم الشمسية رأينا منهم خلقا كثيرا ببلاد يونان ونزلت عند واحد من علمائهم فسألته لم أشركتم مع الله في عبادته عبادة الشمس فقال لي ما عبدنا الشمس لكونها إلها حاشى لله بل الله إله واحد وإنما نظر علماؤنا فيما لهذا النير الأعظم من المنافع في العالم ثم عدد ما ربط الله به من المنافع فعرفنا أنه لو لم يكن له عناية من الله به ما ولاة على هذه الأمور فطلبنا القربة إليه بالتعظيم ليكون لنا أحسن
(٥١٣)