الباطن) فالثياب الباطنة الصفات فإن لباس الباطن صفاته يقول امرؤ القيس لعنيزة وإن كنت قد ساءتك مني خليقة * فسلي ثيابي من ثيابك تنسل أراد ما لبسه من ثياب مودتها في قلبه يقول الله ولباس التقوى ذلك خير وهو موجه عندي لقرائن الأحوال مثل قوله تعالى فإن خير الزاد التقوى سواء إن تفطنت لما أراد هنا بالتقوى واعتبار الأبدان القلوب والأرواح فاعلم واعتبار المساجد مواطن المناجاة وأحوالها الإلهية (باب في ذكر ما تزال به هذه النجاسات من هذه المحال) اتفق العلماء بالشريعة على إن الماء الطاهر المطهر يزيلها من هذه المحال الثلاثة وعندنا كل ما يزيل عينها فهو مزيل من تراب وحجر ومائع ويعتبر اللون في بقاء عينها إن كانت ذات لون يدركه البصر ولا يعتبر بقاء الرائحة مع ذهاب العين لعلم عندنا آخر (وصل الاعتبار في ذلك) إن العلم الذي أنتجته التقوى في قوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقوله إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا فذلك العلم هو المزيل المطهر هذه المحال الثلاثة التي ذكرناها وهي في الباطن الصفات والقلوب والأحوال التي قلنا إنها الثياب والأبدان والمساجد واتفق العلماء أيضا أن الحجارة تزيلها من المخرجين وهو المعبر عنه في الشرع بالاستجمار ولا يصح عندي الاستجمار بحجر واحد فإنه نقيض ما سمي به الاستجمار فإن الجمرة الجماعة وأقل الجماعة اثنان والاعتبار هنا في محل الاتفاق إن الحجارة لما أوقع الله النسبة بينها وبين القلوب في أمور منها ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة والقسوة مما ينبغي أن يتطهر منها كانت ما كانت فإنها من نجاسات القلوب المأخوذ بها والمعفو عنها وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وهي من القلوب العلوم الغزيرة الواسعة المحيطة بأكثر المعلومات وتفجرها خروجها على ألسنة العلماء للتعليم في الفنون المختلفة وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء وهي القلوب التي تغلب عليها الأحوال فتخرج في الظاهر على ألسنة أصحابها بقدر ما يشقق منها وبقدر العلم الذي فيها فينتفع بها الناس وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وهبوط القلوب المشبهة بالحجارة في هبوطها هو نزولها من عزتها إلى عبوديتها ونظرها في عجزها وقصورها بالأصالة وقد قلنا إن الماء هو المطهر المزيل للنجاسات من هذه المحال فالأحجار التي هي منابع هذا الماء حكمها في إزالة النجاسة من المخرجين حكم ما خرج منها وهو العلم في الاعتبار كما إن الخشية مما يتطهر بها فإن الخشية من خصائص العلماء بالله المرضيين عنهم المطلوب منهم الرضي عن الله قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وقال رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه والعلم طاهر مطهر ولا سيما العلم الذي هو تنتجه التقوى فإن غيره من العلوم وإن كان طاهرا مطهرا فما هو في القوة مثل هذا العلم الذي نشير إليه فالخشية المنعوت بها الأحجار هي التي أدتها إلى الهبوط وهو التواضع من الرفعة التي أعطاها الله فإنه لما وصفها بالهبوط علمنا إن الأحجار التي في الجبال يريد والجبال الأوتاد التي سكن الله بها ميد الأرض فلما جعلها أوتادا أورثها ذلك فخر العلو منصبها فنزلت هذه الأحجار هابطة من خشية الله لما سمعت الله يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين والإرادة من صفات القلوب فنزلت من علوها وإن كان بربها هابطة من خشية الله حذرا أن لا يكون لها حظ في الدار الآخرة التي تنتقل إليها وأعني بالدار الآخرة هنا دار سعادتها فإن في الآخرة منزل شقاوة ومنزل سعادة فكانت لهذا طاهرة مطهرة وأما اختصاص تطهيرها المخرجين واعتبر المخرجين اللذين هما مخرج الكثيف وهو الرجيع واللطيف وهو البول فاعلم إن للحق سبحانه في القلوب تجليين التجلي الأول في الكثائف وهو تجليه في الصور التي تدركها الأبصار والخيال مثل رؤية الحق في النوم فأراه في صورة تشبه الصور المدركة بالحس وقد قال ليس كمثله شئ فيزيل هذا العلم من قلبك تقيد الحق بهذه الصور التي تجلى لك فيها في حال نومك أو في حال تخيلك في عبادتك إذ قال لك رسوله صلى الله عليه وسلم عنه تعالى لا عن هواه فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى اعبد الله كأنك تراه فجاء بكأن وهي تعطي الحقائق فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لمن قال أنا مؤمن حقا فما حقيقة إيمانك فقال كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا فأتى بكأن والرؤية وقال له رسول الله صلى الله عليه
(٣٨٣)