إلا في هذا أعني التثليث والنسق وكل سنة والإنسان مخبر يؤذن بأي صفة شاء من ذلك كله وهو مذهبنا كالروايات المختلفة في صلاة الكسوف وغير ذلك ثم إن الله شرع لنا في الأذان بعد الشهادتين أن نقول حي على الصلاة مثنى ندعو بالواحدة نفسي وندعو بالثانية غيري ومعناه أقبلوا على مناجاة ربكم فتطهروا وائتوا المساجد بالمرة الواحدة ومن كان في المسجد يقول له في المرة الثانية حين يثنيها طهروا قلوبكم واحضروا بين يدي ربكم فإنكم في بيته قصدتموه من أجل مناجاته وكذلك قوله حي على الفلاح بالاعتبارين أيضا والتفسيرين في المرتين يقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره أقبلوا على ما ينجيكم فعله من عذابه بنعيمه ومن حجابه بتجليه ورؤيته وأقبلوا بالثانية من حي على الفلاح على ما يبقيكم في نعيمكم ولذة مشاهدتكم ثم يقول الله أكبر الله أكبر لنفسه ولغيره ولمن هو ينتظر الصلاة كالحاضر في المسجد ومن هو خارج في أشغاله يقول الله أكبر مما أنتم فيه أي الله أولى بالتكبير من الذي يمنعكم من الإقبال الذي أمرناكم به على الصلاة وعلى الفوز والبقاء في الحيعلتين وإنما لم يربع الثاني فإنه ليس مثل الأول فإن الثاني أعني التكبير والحيعلتين إنما المقصود بذلك القربة والعقل لا يستقل بإدراكها فهي للشرع خاصة فلهذا لم يربع الحيعلتين ولا التكبير الثاني وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره والكائن في المسجد وغير الكائن ثم قال لا إله إلا الله فختم الأذان بالتوحيد المطلق لما كان الأذان يتضمن أمورا كثيرة فيها أفعال منسوبة إلى العبد فربما يقع في نفس المدعو أنه ما دعي إلى أن يفعلها إلا والفعل له حقيقة والداعي أيضا كذلك فيخاف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا كما يراه بعضهم وما جعله الله دليلا عليه من جملة الأدلة على توحيده إلا انفراده بالخلق مثل قوله أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون فهي ألوهية خفية في نفس كل إنسان وهو الشرك الخفي المعفو عنه فختم الأذان بالتوحيد من غير تثنية ولا تثليث ولا تربيع وهذا هو التوحيد المطلق الذي جاءت به الأنبياء من عند الله عن الله وهي أفضل كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله فيتنبه السامعون كلهم أنه لا إله إلا الله فوحد لطلبه التوحيد على الإطلاق وما زاد على التوحيد في كل أذان مشروع من الأربعة مذاهب في ذلك وأما التثويب في أذان صلاة الصبح وهو قولهم الصلاة خير من النوم من الناس من يراه من الأذان المشروع فيعتبره ومن الناس من يراه من فعل عمر فلا يعتبره ولا يقول به وأما مذهبنا فإنا نقول به شرعا وإن كان من فعل عمر فإن الشارع قرره بقوله من سن سنة حسنة ولا شك أنها سنة حسنة ينبغي أن تعتبر شرعا وهي بهذا الاعتبار من الأذان المسنون إلا في مذهب من يقول إن المسنون هو الذي فعل في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وعرفه وقرره أو يكون هو الذي سنه صلى الله عليه وسلم فيكون حاصله عند صاحب هذا القول أنه لا يسمى سنة إلا ما كان بهذه الصفة فما هو خلاف يعتبر ولا يقدح وأما من زاد حي على خير العمل فإن كان فعل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى أن ذلك دعا به في غزوة الخندق إذ كان الناس يحفرون الخندق فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث فنادى المنادي أهل الخندق حي على خير العمل فما أخطأ من جعلها في الأذان بل اقتدى إن صح هذا الخبر أو سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها وما كرهها من كرهها إلا تعصبا فما أنصف القائل بها نعوذ بالله من غوائل النفوس (فصل بل وصل في حكم الأذان) فمن قائل إنه واجب ومن قائل إنه سنة مؤكدة والقائل بوجوبه منهم من يراه فرضا على الأعيان ومنهم من يراه فرض كفاية ومن قائل إن الأذان فرض على مساجد الجماعات وهو مذهب مالك وفي رواية عنه إنه سنة مؤكدة ولم يره على المنفرد لا فرض ولا سنة ومن قائل إنه هو واجب على الأعيان ومن قائل إنه واجب على الأعيان على الجماعات سفرا وحضرا ومن قائل سفرا لا غير ومن قائل إنه سنة للمنفرد والجماعة إلا أنه آكد في حق الجماعة واتفق الجميع على أنه سنة مؤكدة أو فرض على المصر وبه كان يقول شيخنا أبو عبد الله بن العاص الدلال بإشبيلية سمعته من لفظه غير مرة وكان يقول إذا اجتمع أهل مصر على ترك الأذان أو ترك سنة وجب غزوهم واحتج بالحديث الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما صبحهم فإن سمع نداء لم يغر وإن لم يسمع نداء أغار الاعتبار في الباطن في ذلك
(٤٠٠)