الروحاني من ذلك ما تعرضنا لما تعطيه من الطبيعة والأمور البدنية وتكلمنا فيها على كل ما ذكرناه مفصلا في باب يوم الأحد وهو باب الإمام وبينا ما بيد كل نائب من السبعة النقباء في باب يوم الأحد وسائر الأيام إلى يوم السبت وبينا مقامات أرواح الأنبياء عليهم السلام في ذلك وجعلنا هذه الألقاب الروحانية لأرواح الأنبياء عليهم السلام وبينا مراتبهم في الرؤية والحجاب يوم القيامة وما يتكلمون به في أتباعهم من أهل السعادة والشقاء وذلك منه في باب يوم الاثنين بلسان آدم وترجمة القمر وجاء بديعا في شأنه والله المؤيد والموفق لا رب غيره (الباب الحادي والستون في معرفة جهنم وأعظم المخلوقات فيها عذابا ومعرفة بعض العالم العلوي) إن السماء تعود رتقا مثل ما * كانت وأنجمها يزول ضياؤها هذا لينصفك المقيم بأرضها * وعليه قام عمادها وبناؤها فأشد خلق الله آلاما بها * من كان منها خلقه فسماؤها تكسوه حلة ناره من نورها * فلذاك يعظم في النفوس بلاؤها اعلم عصمنا الله وإياك أن جهنم من أعظم المخلوقات وهي سجن الله في الآخرة يسجن فيه المعطلة والمشركون وهي لهاتين الطائفتين دار مقامة والكافرون والمنافقون وأهل الكبائر من المؤمنين قال تعالى وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ثم يخرج بالشفاعة ممن ذكرنا وبالامتنان الإلهي من جاء النص الإلهي فيه وسميت جهنم جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهي تحوي على حرور وزمهرير ففيها البرد على أقصى درجاته والحرور على أقصى درجاته وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين واختلف الناس في خلقها هل خلقت بعد أم لم تخلق والخلاف مشهور فيها وكل واحد من الطائفتين يحتج فيما ذهب إليه بما يراه حجة عنده وكذلك اختلفوا في الجنة وأما عندنا وعند أصحابنا أهل الكشف والتعريف فهما مخلوقتان غير مخلوقتين فأما قولنا مخلوقة فكرجل أراد أن يبني دارا فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة فيقال قد بنى دارا فإذا دخلها لم ير إلا سورا دائرا على فضاء وساحة ثم بعد ذلك ينشئ بيوتها على أغراض الساكنين فيها من بيوت وغرف وسراديب ومهالك ومخازن وما ينبغي أن يكون فيها مما يريده الساكن أن يجعل فيها من الآلات التي تستعمل في عذاب الداخل فيها وهي دار حرورها هواء محترق لا جمر لها سوى بني آدم والأحجار المتخذة آلهة والجن لهبها قال تعالى وقودها الناس والحجارة وقال إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وقال تعالى فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون وتحدث فيها الآلات بحدوث أعمال الجن والإنس الذين يدخلونها وأوجدها الله بطالع الثور ولذلك كان خلقها في الصورة صورة الجاموس سواء هذا الذي يعول عليه عندنا وبهذه الصورة رآها أبو الحكم بن برجان في كشفه وقد تمثل لبعض الناس من أهل الكشف في صورة حية فيتخيل إن تلك الصورة هي التي خلقها الله عليها كأبي القاسم بن قسي وأمثاله ولما خلقها الله تعالى كان زحل في الثور وكانت الشمس والأحمر في القوس وكان سائر الدراري في الجدي وخلقها الله تعالى من تجلى قوله في حديث مسلم جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني ومرضت فلم تعدني وهذا أعظم نزول نزله الحق إلى عباده في اللطف بهم فمن هذه الحقيقة خلقت جهنم أعاذنا الله وإياكم منها فلذلك تجبرت على الجبابرة وقصمت المتكبرين وجميع ما يخلق فيها من الآلام التي يجدها الداخلون فيها فمن صفة الغضب الإلهي ولا يكون ذلك إلا عند دخول الخلق فيها من الجن والإنس متى دخلوها وأما إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم فيها في نفسها ولا في نفس ملائكتها بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة الله منغمسون ملتذون يسبحون لا يفترون يقول تعالى ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى أي ينزل بكم غضبي فأضاف الغضب إليه وإذا نزل بهم كانوا محلا له وجهنم إنما هي مكان لهم وهم النازلون فيها وهم محل الغضب وهو النازل بهم فإن الغضب هنا هو عين الألم فمن لا معرفة له ممن يدعي طريقتنا ويريد أن يأخذ الأمر بالتمثيل والقوة والمناسبة في الصفات فيقول إن جهنم مخلوقة من القهر الإلهي وإن الاسم القاهر هو ربها والمتحلي لها ولو كان الأمر كما قاله لشغلها ذلك بنفسها عما وجدت له من التسلط على الجبابرة ولم يتمكن لها أن تقول
(٢٩٧)