وقال في الموطن الآخر يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم فهو من باب إظهار عزة الايمان بعز المؤمن وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة وقد تراءى الجمعان من يأخذ هذا السيف بحقه فأخذه أبو دجانة فمشى به بين الصفين خيلاء مظهر الإعجاب والتبختر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن فإذا علمت إن للمواطن أحكاما فافعل بمقتضاها تكن حكيما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي علمه فروض الصلاة اركع حتى تطمئن راكعا وارفع حتى تطمئن واقفا فالواجب اعتقاد كونه فرضا (فصل بل وصل في هيأة الجلوس) فمن قائل يفضي بأليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثني اليسرى والرجل والمرأة في ذلك على السواء وقال آخرون ينصب الرجل اليمنى ويقعد على اليسرى وفرق آخرون بين الجلسة الوسطى والآخرة فقال في الوسطى ينصب اليمنى ويقعد على اليسرى وقال في الجلسة الآخرة يفضي بأليته إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثني اليسرى وكل قائل له مستند إلى حديث فما فعل من ذلك أجزأه (الاعتبار في ذلك) الجلوس في الصلاة جلوس العبد بين يدي السيد وليس له أن يجلس إلا أن يأمره سيده وقد أمر المصلي بالجلوس في الصلاة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد فأحسن الحالات في الجلوس في الصلاة هو الجلوس الذي يكون فيه أقرب إلى الوقوف بين يدي سيده هذا إذا كان حال العارف حال ما ينبغي أن يكون عليه العبد من حيث ما هو عبد وإن كان العارف في محل النظر في أصل معرفته بنفسه ليعرف ربه فالأولى في جلوسه أن يفضي بأليته إلى الأرض في آخر جلوسه ولا بد فإنه أقرب إلى النظر في ذاته بخلاف الجلسة الوسطى فإن جلوسه فيها عارض عرض له من الحق أجلسه أي رده في النظر إلى نفسه لمعرفة يريد تحصيلها فيكون كالمستوفز لأنه مدعو إلى الوقوف وهي الركعة الثالثة والطمأنينة في الركوع والسجود وأحوال الانتقالات كلها في أحوال الصلاة المراد بها الثبات لتحقيق ما يتجلى له فيها لأنه إذا أسرع بأدنى ما ينطلق عليه اسم راكع يفوته علم كبير لا يناله إلا من ثبت فلهذا أمر بالطمأنينة في هذه المواطن فإن العجلة من الشيطان إلا في خمس وهي مذكورة في بابها فالمسارعات إلى الخيرات مشروع يعد الثبات والاطمئنان في الخير الذي أنت فيه فلا مناقضة بين الطمأنينة والمسارعة (فصل بل وصل في الجلسة الوسطى والأخيرة) اختلف العلماء في الجلسة الوسطى والأخيرة فقائل في الوسطى إنها سنة وليست بفرض وشذ قوم فقالوا إنها فرض والأصل الذي أعتمد عليه في أفعال الصلاة كلها أن لا تحمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوجوب حتى يدل الدليل على ذلك وأما الجلسة الأخيرة فبعكس الوسطى والأكثرون إنها فرض وشذ قوم فقالوا إنها ليست بفرض ومن قائل إن الجلستين سنة وهو أضعف الأقوال وبقي الجلوس في وتر من الصلاة يذكر بعد هذا إن شاء الله في فصله (الاعتبار في ذلك) أما الجلسة الوسطى فإنها كما قلنا عارض عرض لأجل القيام بعدها إلى الركعة الثالثة والعارض لا يتنزل منزلة الفرض ولهذا سجد من سها عنه وفرق بينه وبين الركن إذا فإنه ولم يقترن بالجلسة الوسطى أمر فيحمل على الوجوب وإنما هو أمر عارض عرض للمصلي في مناجاته من التجليات البرزخيات دعاه أن يسلم عليه لما شرع فيه من التحيات فلما رأى أن ذلك المقام يدعوه إلى التحية تعين عليه إن يجلس له كما يفرض عليه في الجلسة الآخرة التي هي فرض والحكمة في ذلك المشهودة إن أصل الصلاة يقتضي الشفعية للقسمة المذكورة فيها بين الله وبين العبد فأقلها ركعتان إلا الوتر فإن له خصوص وصف أذكره في الوتر إذا جاء إن شاء الله ولما ثبت عين الشفع بوجود الركعتين فتميز الرب من العبد فقد حصل المقصود فلا بد من الجلوس كما يكون في صلاة الصبح وفي الصلاة الليلية مثنى مثنى وفي صلاة السفر وقول الراوي في أول فرض الصلاة إنها فرضت ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر وأقرت في السفر على الأصل فلما عرض لهذا الشفع في الصلاة الثلاثية والرباعية إن الشيئين إذا تألفا صح على كل واحد منهما اسم الشيئين ومن الناس من قال كانا شيئا واحدا وقد تألف بوجود الركعتين الأوليين نسبة شيئية الصلاة للعبد ونفي نسبة شيئية الصلاة للرب
(٤٣٨)