والأعمال الصالحة والحرص على جمع أسباب سعادته فإن عين الحرص ما يتمكن زواله فالحرص بوجه تكون سعادة الحريص بالحرص وبوجه تكون شقاوة الحريص فلهذا قلنا بالمصرف لا بعين الصفة وعلى هذا نأخذ جميع الصفات التي علق الذم بها إنما علق الذم بمصارفها لا بأعيانها فعموم طهارة الباطن والظاهر في هذا الاغتسال إنما متعلقة مصارف الصفات ولا يعلم مصارف الصفات إلا من يعلم مكارم الأخلاق فيتطهر بها ويعلم سفساف الأخلاق فيتطهر منها وما خفي منها مما لا يدركه يتلقاه من الشارع وهو كل عمل يرضي الله فيتطهر به من كل عمل لا يرضيه فيتطهر منه قال الله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولهذا سقنا في هذا الكتاب أبوابا متقابلة كالتوبة وتركها والورع وتركه والزهد وتركه مما سيأتي أبوابه إن شاء الله تعالى وهي كثيرة وهذه الطهارة أيضا واجبة كالتطهير بإيتاء الزكاة مثلا فهو غسل واجب وكإعطائها للفقراء من ذوي الأرحام وهو مندوب إليه وكتخصيص أهل الدين منهم دون غيرهم من ذوي الأرحام وهو مستحب وهكذا يسرى حكم هذه الطهارة في جميع باطن الإنسان وظاهره من العلم والجهل والكفر والايمان والشرك والتوحيد والإثبات والتعطيل وهكذا في الأعمال كلها المشروعة يطهرها بالموافقة من المخالفة فهذا معنى الاغتسال الواجب منه وغير الواجب وسأورد من تفصيل مسائل هذه الطهارة ما يجري مجرى الأمهات على حسب ما يذكر منها في ظاهر حكم الشرع في الاغتسال بالماء وإنما تفريع هذه الطهارة لا يحصى ولا يسعه كتاب لو ذكرناها مسألة مسألة وقد أعطينا فيها وبينا طريقة الأخذ بها فخذها على ذلك الأنموذج إن أردت أن تكون من عباد الله الذين اختصهم لخدمته واصطنعهم لنفسه ورضي عنهم فرضوا عنه جعلنا الله من العلماء العمال ولا حال بيننا وبين الاستعمال بما يرضيه سبحانه من الأعمال في الأقوال والأفعال والأحوال فأما الاغتسالات المشروعة فمنها ما اتفق على وجوبه ومنها ما اختلف في وجوبه ومنها ما اتفق على استحبابه وهي اغتسالات كثيرة كالغسل من التقاء الختانين والغسل من إنزال الماء الدافق على علم والغسل من إنزاله على غير علم كالذي يجد الماء ولا يذكر احتلاما والغسل من إنزال الماء الدافق على غير وجه الالتذاذ والغسل من الحيض وغسل المستحاضة عند الصلوات وغسل يوم الجمعة والغسل لصلاة الجمعة والغسل عند الإسلام والغسل للإحرام والاغتسال لدخول مكة والاغتسال للوقوف بعرفة والاغتسال من غسل الميت وأما الاعتبارات في هذه الأغسال فإنا أذكرها قبل ذكر تفصيل أمهات المسائل المشروعة في الاغتسال بالماء واعتباراتها فمن ذلك (باب الاغتسال من غسل الميت) لما كان الميت شرع غسله وهو لا فعل له إذ كان غيره المكلف بغسله تنبيها لغاسله أن يكون بين يدي ربه في تطهيره بتوفيقه واستعماله في طاعته وما يجري عليه من أفعال خالقه به وفيه كالميت بين يدي غاسله فلا يرى غسله بهذا الاعتبار بغسله للميت وإنما يرى أن الله هو مطهره ويرى نفسه كالآلة يفعل بها الله ذلك الفعل كما يرى الغاسل الماء آلة في تحصيل غسل الميت إذ لولا الماء ما صح اسم الغاسل لهذا الذي يغسله والماء لا يتصور منه الدعوى في أنه غسل الميت فإن الماء ما تحرك إليه ولا قصد غسله وإنما قصد بالماء غسل الميت غاسله كذلك الغاسل لا يرى في قصده أنه قصد غسل الميت بالماء وإنما يرى نفسه مع الماء آلتين قصد الله بهما غسل هذا الميت فالله المطهر لا هو ولا الماء ولكن الله طهر الميت بالغاسل وبالماء فمثل هذا لا يغتسل من غسل الميت فهذا اعتبار من يرى أنه لا يجب الغسل من غسل الميت وأما من غسل ميتا وغاب في غسله عن أن الله هو مطهره وادعى ذلك الفعل لنفسه وأضافه إليها ورأى أنه لولاه ما طهر هذا الميت وجب عليه أن يغتسل ويتطهر من هذه الدعوى بالتوجه والحضور مع الله في المستأنف والتذكر لما غفل عنه من تطهير الله هذا الميت على يده فمن اعتبر هذا أوجب الاغتسال من غسل الميت وأما حكم الاغتسال من غسل الميت بالماء في ظاهر حكم الشرع فليس مذهبي القول بوجوبه ولكن إن اغتسل من ذلك فهو أولى وأفضل بلا خلاف (باب الاغتسال للوقوف بعرفة) لما كان الوقوف بعرفة بصفة الذل والافتقار والدعاء والابتهال بالتعري من لباس المخيط والموضع الذي يقف فيه الحاج
(٣٥٩)