أشرف ساعاته والحكم فيها للروح الذي في السماء السادسة وهي سماء العدل والاعتدال صفات وكمال الباطن فإن سلطان هذا اليوم هو الروح الذي في السماء الثالثة وله الاستبداد التام في يومه في الساعة الأولى منه والثامنة فهو الحاكم بنفسه تجليا وسائر ساعاته يجري حكمه فيه بنوابه والعلم أكمل الصفات فخص الأكمل بالأكمل والصوم لا مثل له في العبادات فأشبه من لا مثل له في نفي المثلية ومن لا مثل له قد اتصف بصفتين متقابلتين من وجه واحد وهو الأول والآخر وهو ما بينهما إذا كان هو الموصوف وكذلك هو بين الظاهر والباطن وهاتان الصفتان في المعنى واحدة وإنما كان الانقسام فيما ظهر عنها من الحكم فأطلق عليها اسم الظاهر لظهور الحكم عنها واسم الباطن لخفاء سببه فهما نسبتان له فلما لم يكن بد من إثبات هذه الصفة النسبية التي هي معقول حكمها غير معقول حكم الموصوف لم يكن بد من إثباتها وكل حكم له أولية وآخرية في المحكوم عليه فهو الأول والآخر من حيث المعنى واحد ومن ابتدائه وانتهائه طرفان فيما لا ينقسم ولما كان الأمر على ما قررناه كان من أراد أن يصوم الجمعة يصوم يوما قبله أو يوما بعده ولا يفرده بالصوم لما ذكرناه من الشبه في صيام ذلك اليوم وقيام ليلته إذ كان ليس كمثله يوم فإنه خير يوم طلعت فيه الشمس فما أحكم علم الشرع في كونه حكم أن لا يفرد بالصوم ولا ليلته بالقيام تعظيما لرتبته على سائر الأيام وهو اليوم الذي اختلفت فيه الأمم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فما بينه الله لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم لمناسبته الكمالية فإنه أكمل الأنبياء ونحن أكمل الأمم وسائر الأمم وأنبيائها ما أبان الحق لهم عنه لأنهم لم يكونوا من المستعدين له لكونهم دون درجة الكمال أنبياؤهم دون محمد صلى الله عليه وسلم وأممهم دوننا في كمالنا فالحمد لله الذي اصطفانا فنحن بحمد الله يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم عين الساعة التي فيها التي بها فضل يوم الجمعة على سائر الأيام كما فضلنا نحن بمحمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم والصوم لله من وجه التنزيه والصوم للإنسان عبادة وموضع الاشتراك الصوم فصوم يوم الجمعة بما هو منه لله وصوم اليوم المضاف إليه بما هو للعبد منه إذ بصيام العبد صح أن يكون الصوم لله وبصيام اليوم المضاف إلى يوم الجمعة صح صوم يوم الجمعة والله عليم حكيم (وصل في فصل صيام يوم السبت) خرج أبو داود عن عبد الله بن بشر عن أخيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجر فليمضغه قال أبو داود هذا منسوخ قال أبو عيسى في هذا الحديث حديث حسن وخرج النسائي عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم ويقول إنهما يوما عيد للمشركين فإنا أحب أن أخالفهم واختلف العلماء في صوم يوم السبت فمن قائل بصومه ومن قائل لا يصام اعلم أن يوم السبت عندنا هو يوم الأبد الذي لا انقضاء ليومه فليله في جهنم فهي سوداء مظلمة ونهاره لأهل الجنان فالجنة مضيئة مشرقة والجوع مستمر دائم في أهل النار وضده في أهل الجنان فهم يأكلون عن شهوة لا لدفع ألم جوع ولا عطش فمن كان مشهده القبض والخوف اللذين هما من نعوت جهنم قال يصومه لأن الصوم جنة فيتقي به هذا الأمر الذي أذهله وقد ورد في كتاب الترغيب لابن زنجويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من صام يوما ابتغاء وجه الله بعده الله من النار سبعين خريفا ومثل هذا ومن كان مشهده البسط والرجاء والجنة وعرف أن يوم السبت إنما سمي سبتا لمعنى الراحة فيه وإن لم تكن الراحة عن تعب وهو يوم ما بين ابتداء الخلق الذي وقع في يوم الأحد وبين انتهاء الخلق الذي وقع في يوم الجمعة وتلك الستة الأيام التي خلق الله فيها الخلق وقال في يوم السبت وقد وضع إحدى الرجلين على الأخرى أنا الملك وأحكم العالم وقدر في الأرض أقواتها وأوحى في كل سماء أمرها ووضع الموازين وأحال الخلق بعضهم على بعض وجعل منهم المفيض والقابل وأكمل استعداداتهم على أتم الوجوه وفعل كما أخبر من أنه أعطى كل شئ خلقه ووصف نفسه بالفراغ قال من هذا مشهده الحكمة تعطي الفطر في هذا اليوم فحجر صومه ولما في ذلك من التعب الذي يضاد الراحة فإن الصوم مشقة لأنه ضد ما جبل عليه الإنسان من التغذي وأما من صامه لمراعاة خلاف المشركين فمشهده أن مشهد المشرك الشريك الذي نصبه فلما ولي الشريك أمورهم في زعمهم بما ولوه
(٦٤٦)