حيث إن القلب وسع الحق والأسماء تطلب مسماها فلا بد لها أن تقصد مسماها فتقصد البيت الذي ذكر أنه وسعه السعة التي يعلمها سبحانه وإنما تقصده لكونها كانت متوجهة نحو الأحوال التي تطلبها من الأكوان فإذا أنفذت حكمها في ذلك الكون المعين رجعت قاصدة تطلب مسماها فتطلب قلب المؤمن وتقصده فلما تكرر ذلك القصد منها سمي ذلك القصد المكرر حجا كما يتكرر القصد من الناس والجن والملائكة للكعبة في كل سنة للحج الواجب والنفل وفي غير زمان الحج وحاله يسمى زيارة لا حجا وهو العمرة والعمرة الزيارة وتسمى حجا أصغر لما فيها من الإحرام والطواف والسعي وأخذ الشعر أو منه والإحلال ولم تعم جميع المناسك فسميت حجا أصغر بالنظر إلى الحج الأكبر الذي يعم استيفاء جميع المناسك ولهذا يجزئ القارن بينهما طواف واحد وسعى واحد لمسمى الحج لها وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرانه في حجة وداعه التي قال فيها خذوا عني مناسككم وهكذا الحكم في الآخرة في الزور العام هو بمنزلة الحج في الدنيا وحج العمرة هو بمنزلة الزور الذي يخص كل إنسان فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه والزور الأعم في زمان خاص للزمان الخاص الذي للحج والزور الأخص الذي هو العمرة لا يختص بزمان دون زمان فحكمها أنفذ في الزمان من الحج الأكبر وحكم الحج الأكبر أنفذ في استيفاء المناسك من الحج الأصغر ليكون كل واحد منهما فاضلا مفضولا لينفرد الحق بالكمال الذي لا يقبل المفاضلة وما سوى الله ليس كذلك حتى الأسماء الإلهية وهم الأعلون يقبلون المفاضلة وقد بينا ذلك في غير موضع وكذلك المقامات والأحوال والموجودات كلها فالزيارة الخاصة التي هي العمرة مطلقة الزمان على قدر مخصوص وسأذكر إن شاء الله ما يختص بهذا الباب من الأفعال الظاهرة المشروعة في العموم والخصوص على ألسنة علماء الرسوم بالظواهر والنصوص وما يختص أيضا بها من الاعتبارات في أحوال الباطن بلسان التقريب والاختصار والإشارة والإيماء كما عملنا فما تقدم من العبادات والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ولو شاء لهديكم أجمعين ولكن الله فعال لما يريد (وصل في فصل وجوب الحج) لا خلاف في وجوبه بين علماء الإسلام قال تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا فوجب على كل مستطيع من الناس صغير وكبير ذكر وأنثى حر وعبد مسلم وغير مسلم ولا يقع بالفعل إلا بشروط له معينة فإن الايمان والإسلام واجب على كل إنسان والأحكام كلها الواجبة واجبة على كل إنسان ولكن يتوقف قبول فعلها أو فعلهما من الإنسان على وجود الإسلام منه فلا يقبل تلبسه بشئ منها إلا بشرط وجود الإسلام عنده فإن لم يؤمن أخذ بالواجبين جميعا يوم القيامة وجوب الشرط المصحح لقبول هذه العبادات ووجوب المشروط التي هي هذه العبادات وقرئ بكسر الحاء وهو الاسم وبفتحها وهو المصدر فمن فتح وجب عليه أن يقصد البيت ليفعل ما أمره الله به أن يفعله عند الوصول إليه في المناسك التي عين الله له أن يفعلها ومن قرأ بالكسر وأراد الاسم فمعناه أن يراعي قصد البيت فيقصد ما يقصده البيت وبينهما بون بعيد فإن العبد بفتح الحاء يقصد البيت وبكسرها يقصد قصد البيت فيقوم في الكسر مقام البيت ويقوم في الفتح مقام خادم البيت فيكون حال العبد في حجه بحسب ما يقيمه فيه الحق من الشهود والله المرشد والهادي لا رب غيره ولما كان قصد البيت قصدا حاليا لأنه يطلب بصورته الساكن فلله على الناس أن يجعلوا قلوبهم كالبيت تطلب بحالها أن يكون الحق ساكنها كما قال اطلبوني في قلوب العارفين بي فهذا معنى الكسر فيه وهو الاستعداد بالصفة التي ذكر الله إن القلب يصلح له تعالى بها ومن فتح فوجب عليه أن يطلب قلبه ليرى فيه آثار ربه فيعمل بحسب ما يرى فيه من الآثار الإلهية وهذا حال غير ذلك فبالكسر يقصد الله وبالفتح يقصد القلب لما ذكرناه (وصل في فصل شروط صحة الحج) لا خلاف إن من شرط صحته الإسلام إذ لا يصح ممن ليس بمسلم الإسلام الانقياد إلى ما دعاك الحق إليه ظاهرا وباطنا على الصفة التي دعاك أن تكون عليها عند الإجابة فإن جئت بغير تلك الصفة التي قال لك تجئ بها فما أجبت دعاء الاسم الإلهي الذي دعاك ولا أنقدت إليه واعلم دقيق وهل الدعوة كانت من الله على المجموع وهو عينك وعين الصفة
(٦٦٨)