شئ وبالدليل النظري ولا تتأول الهرولة الإلهية بتضعيف الإقبال الإلهي على العبد وتأكيده ولا غير ذلك من ضروب التأويلات المنزهة وإنما تأول ذلك من تأوله من العقلاء بتضاعف الإقبال الإلهي بجزيل الثواب على العبد إذا أتى إلى ربه يسعى بالعبادات التي فيها المشي كالسعي إلى المساجد والسعي في الطواف وإلى الطواف وإلى الحج وإلى عيادة المرضى وإلى قضاء حوائج الناس وتشييع الجنائز وكل عبادة فيها سعى قرب محلها أو بعد قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فطهر الوضوء وصف الحق بأنه يهرول والطهر الذي هو النظافة هو تنزيه الحق أن لا يرفع عنه ما وصف به نفسه وأما ما لم يصف به نفسه مما هو من نعوت الممكنات فتنزيهه عن أن يوصف بشئ من ذلك هو للعقل فالعقل تحت حكم الشرع إذا نطق الشرع في صفات الحق بما نطق فليس له رد ذلك إن كان مؤمنا ويكون المنطوق والموصوف بتلك الصفة قابلا أي جائز القبول أو مجهول القبول فيلزم العقل قبول الوصف المشروع وإن جهل قبول الموصوف له ولهذا ذهبنا في طهر الرجلين إلى الطهر اللغوي الذي هو النظافة والتنزيه من النجاسة فلا يلزمنا شئ مما يتفرع من هذه المسألة من المسائل على مذهب القائلين بطهر الوضوء وأما إذا لبس خفا على خف فهو وصف الحق نفسه بالهرولة فإن الهرولة صفة للسعي والسعي صفة للرجل فقد يكون السعي بهرولة وقد لا يكون وإذا كان هذا فالهرولة من صفات السعي فبين الهرولة وبين القدم أمر آخر وهو السعي فهو كالخف على الخف وقد تقدم الكلام عليه فافهم (باب في معرفة ناقض طهارة المسح على الخف) الاتفاق على إن نواقضها نواقض الوضوء كلها وسيأتي بابه في هذا الباب فيما بعد اختلف العلماء في نزع الخف هل هو ناقض للطهارة أم لا فمن قائل إن الطهارة تبطل ويستأنف الوضوء ومن قائل تبطل طهارة القدمين خاصة فيغسلهما ولا بد على ما تقدم من الاختلاف في الموالاة ومن قائل لا يؤثر نزع الخف في طهارة القدم وبه أقول وإن استأنف الوضوء فهو أحوط ولا يؤثر في طهارته كلها إلا أن يحدث ما ينقض كما سيأتي (وصل في حكم الباطن في ذلك) أما حكم الباطن فيمن قال تبطل الطهارة كلها فهو سريان التنزيه في الموصوف فإذا قبل تنزيها بعينه قبل سائر ما يعقل فيه التنزيه كذلك إن بطل تنزيه ما في حق الموصوف سرى البطلان في النعوت كلها نعوت التنزيه ومن قال تبطل طهارة الرجل خاصة هو أن يزيل الشرع عن الحق وصفا ما على التعيين فلا يلزم منه إزالة كل وصف يقتضي التشبيه فإن الله سبحانه نزه نفسه أن يلد وما نزه نفسه عن أن يتردد في الأمر يريد فعله ولا نزه نفسه عن التدبر ولا نزه نفسه عن الغضب ومن قائل بأنه على طهره وإن نزع الخف لا حكم له ولا تأثير في الطهارة التي كان موصوفا بها في حال لبسه خفه يقول وإن نزه الحق نفسه عن أن يلد فالوصف له باق فإنه قال لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء فأبقى الأمر على حكمه بقوله تعالى لو أراد وهذا مثل قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق وقوله ما يبدل القول لدي وهذا رد على من يقول إن الإله لذاته أوجد الممكن لا لنسبة إرادة ولا سبق علم والصحيح ما قاله الشارع وإن لم تكن تلك النسبة أمرا وجوديا زائدا فاعلم ذلك (أبواب المياه) قد تقدم الكلام في أول الباب في الفرق بين ماء الغيث وماء العيون وبينا من ذلك ما فيه غنية فلنذكر في هذه الأبواب حكم ما نزعت إليه علماء الشريعة في الظاهر بما يناسبه من طهارة الباطن (باب في مطلق المياه) أجمع العلماء على إن جميع المياه طاهرة في نفسها مطهرة غيرها إلا ماء البحر فإن فيه خلافا وكذلك أيضا اتفقوا على إن ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالبا إنه لا يسلب عنه صفة التطهير إلا الماء الآجن فإن ابن سيرين خالف فيه والذي أذهب إليه أن كل ما ينطلق عليه اسم الماء مطلقا فإنه طاهر مطهر سواء كان ماء البحر أو الآجن واتفقوا أيضا على إن الماء الذي غيرت النجاسة لونه أو طعمه أو ريحه أو كل هذه الأوصاف أنه لا تجوز به الطهارة فإن لم يتغير الماء ولا واحد من أوصافه بقي على أصله من الطهارة والتطهير ولم يؤثر ما وقع فيه من النجاسة إلا أني أعرف في هذه المسألة خلافا في قليل الماء يقع فيه قليل النجاسة بحيث أن لا يتغير من أوصافه شئ (وصل حكم الباطن في ذلك) فأما حكم الباطن فيما
(٣٤٩)