والزكاة والصيام والحج والتلفظ بلا إله إلا الله محمد رسول الله فاعتنيت بهذه الخمسة لكونها من قواعد الإسلام التي بنى الإسلام عليها وهي كالأركان للبيت فالإيمان هو عين البيت ومجموعه وباب البيت الذي يدخل منه إليه وهذا الباب له مصراعان وهما التلفظ بالشهادتين وأركان البيت أربعة وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج فجردنا العناية في إقامة هذا البيت لنسكن فيه ويقينا من زمهرير نفس جهنم وحرورها قال النبي صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فاذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فما كان من سموء وحرور فهو من نفسها وما كان من يرد وزمهرير فهو من نفسها فاتخذ الناس البيوت لتقيهم حر الشمس وبرد الهواء فينبغي للعاقل أن يقيم لنفسه بيتا يكنه يوم القيامة من هذين النفسين في ذلك اليوم لأن جهنم في ذلك اليوم تأتي بنفسها تسعى إلى الموقف تفور تكاد تميز من الغيظ على أعداء الله فمن كان في مثل هذا البيت وقاه الله من شرها وسطوتها ولما كانت الطهارة شرطا في صحة الصلاة أفردنا لها بابا قدمناه بين يدي باب الصلاة ثم يتلوها الزكاة ثم الصوم ثم الحج ويكفي في هذا الكتاب هذا القدر من العبادات فأتتبع أمهات مسائل كل باب منها وأقررها بالحكم الكلي باسمها في الظاهر ثم انتقل إلى حكم تلك المسألة عينها في الباطن إلى أن أفرع منها والله يؤيد ويعين (بيان وإيضاح) فأول ذلك تسميتها طهارة وقد ذكرنا ذلك في أول الباب ظاهرا وباطنا فلنشرع إن شاء الله في أحكامها وهو أن ننظر في وجوبها وعلى من تجب ومتى تجب وفي أفعالها وفيما به تفعل وفي نواقضها وفي صفة الأشياء التي تفعل من أجلها كما فعلته علماء الشريعة وقررته في كتبها وقد انحصر في هذا أمر الطهارة ولننظر ذلك ظاهرا وباطنا وإنما نومئ إليه ظاهرا حتى لا يفتقر الناظر فيها إلى كتب الفقهاء فيغنيه ما ذكرناه ولا نتعرض للأدلة التي للعلماء على ثبوت هذا الحكم من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس في مذهب من يقول به لطرد علة جامعة يراها بين المنطوق عليه والمسكوت عنه لا أتعرض إلى أصول الفقه في ذلك ولا إلى الأدلة إذا العامة ليس منصبها النظر في الدليل فنحن نذكر أمهات فروع الأحكام ومذاهب الناس فيها من وجوب وغير وجوب (وصل) نقول أولا أجمع المسلمون قاطبة من غير مخالف على وجوب الطهارة على كل من لزمته الصلاة إذا دخل وقتها وأنها تجب على البالغ حد الحلم العاقل واختلف الناس هل من شرط وجوبها الإسلام أم لا هذا حكم الظاهر فأما الباطن في ذلك وهي الطهارة الباطنة فنقول إن باطن الصلاة وروحها إنما هو مناجاة الحق تعالى حيث قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين الحديث فذكر المناجاة يقول العبد كذا فيقول الله كذا فمتى أراد العبد مناجاة ربه في أي فعل كان تعينت عليه طهارة قلبه من كل شئ يخرجه عن مناجاة ربه في ذلك الفعل ومتى لم يتصف بهذه الطهارة في وقت مناجاته فما ناجاه وقد أساء الأدب فهو بالطرد أحق وسأذكر في أفعالها تقاسيم هذه الطهارة في الحكم إن شاء الله وأما قول العلماء إنها تجب على البالغ العاقل بالإجماع واختلفوا في الإسلام فكذلك عندنا تجب هذه الطهارة على العاقل وهو الذي يعقل عن الله أمره ونهيه وما يلقيه الله في سره ويفرق بين خواطر قلبه فيما هو من الله أو من نفسه أو من لمة الملك أو من لمة الشيطان وذلك هو الإنسان فإذا بلغ في المعرفة والتمييز إلى هذا الحد وعقل عن الله ما يريد منه وسمع قول الله تعالى وسعني قلب عبدي وجب عليه عند ذلك استعمال هذه الطهارة في قلبه وفي كل عضو يتعلق به على الحد المشروع فإن طهارة البصر مثلا في الباطن هو النظر في الأشياء بحكم الاعتبار وعينه فلا يرسل بصره عبثا ولا يكون مثل هذا إلا لمن تحقق باستعمال الطهارة المشروعة في محلها كلها قال تعالى إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار فجعلها للأبصار والاعتبار إنما هو للبصائر فذكر الأبصار لأنها الأسباب المؤدية إلى الباطن ما يعتبر فيه عين البصيرة وهكذا جميع الأعضاء كلها وأما قول العلماء في هذه الطهارة هل من شرط وجوبها الإسلام فهو قولهم هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وإن المنافق إذا توضأ هل أدى واجبا أم لا وهي مسألة خلاف تعم جميع الأحكام المشروعة فمذهبنا أن جميع الناس كافة من مؤمن وكافر ومنافق مكلفون مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها وأنهم مؤاخذون يوم القيامة بالأصول وبالفروع ولهذا كان المنافق في الدرك الأسفل من النار وهو باطن النار وإن المنافق معذب بالنار التي تطلع على الأفئدة إذ أتى في الدنيا بصورة ظاهر الحكم المشروع من التلفظ بالشهادة وإظهار تصديق
(٣٣٥)