فإن هذا الحديث عندي إذا صح فحكم النبي عليه السلام في هذه المسألة في الانتظار إليه ولا نقوم حتى نراه كما أمر ما هو كحالنا اليوم فإن زمان وجود النبي كان الأمر جائزا أن ينسخ وأن يتجدد حكم آخر فكان ينبغي أن لا يقوموا لقول المؤذن حتى يروا النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة فيعلمون عند ذلك أنه ما حدث أمر برفع حكم ما دعوا إليه بخلاف اليوم فإن حكم القيام إلى الصلاة باق فيقوم إذا سمع المؤذن يقيم مسارعا وإن اتفق أن يغلط المؤذن بأن يسمع حسا فيتخيل أنه الإمام فيقيم والإمام ما خرج فما على من قام بأس في ذلك بل له أجر الإسراع إلى الخير ويرجع إلى مكانه إلى أن يخرج الإمام فإنه على يقين من بقاء حكم الصلاة (الاعتبار) المقيم للصلاة هو حاجب الحق الذي يدعو الخلق إلى الدخول على الله بهذه الحالة والصفة التي دعاهم وشرع لهم أن يدخلوا عليه فيها فيسارعون في القيام بأدب وسكون كما ذكرنا وحضور لما يستقبلونه واستحضار لما ينادونه به من قراءة وذكر وتكبير وتسبيح ودعاء معين عينه لهم لا يتعدونه في تلك الحالة فإذا فرغوا منها بالسلام دعوا بما شاءوا ولكن مما يرضى الله لا يدعون على مسلم ولا بقطيعة رحم (فصل بل وصل) فيمن أحرم خلف الصف خوفا أن يفوته الركوع مع الإمام ثم دب وهو راكع حتى دخل في الصف فمن الناس من كرهه ومنهم من أجازه ومنهم من فرق بين المنفرد والجماعة في ذلك فكرهه للمنفرد وأجازه للجماعة (وصل الاعتبار) الركوع هو الخضوع لله تعالى والمبادرة إليه أولى غير إن مشيه راكعا حتى يدخل في الصف هو الذي ينبغي أن يكون متعلق الكراهة أو الجواز فمن رأى سد الخلل واجبا أو الصلاة خلف الصف لا تجزئ مشي على حاله حتى يدخل في الصف فإن الشارع ما أبطل صلاة أبي بكرة بذلك ودعا له ونهاه أن لا يعود فعلم أنه نهي كراهة فإن قالوا قضية في عين قلنا ونهيه أن لا يعود قضية في عين لأنه المخاطب أن لا يعود ولم ينه غيره عن ذلك ولكن بقرينة الحال علمنا إن المراد بذلك المصلي كان من كان أن يكون في حال صلاته على حد ما أمر به فكل ما هو من تمام الصلاة جاز التعمل إلى تحصيله في الصلاة ويتعلق بهذا مسائل على هذه القاعدة (فصل بل وصل) فيما يتبع فيه المأموم الإمام لا خلاف بين العلماء في وجوب اتباعه فيما نص الشارع عليه من أقوال وأفعال واختلفوا في قوله سمع الله لمن حمده فمن الناس من قال بأنه لا يجب عليه أن يقولها مع الإمام ومنهم من أجاز له أن يقولها والأول أولى عندي للحديث الوارد (وصل الاعتبار) لما أنزل الإمام نائبا عن الحق في حق من يقتدى به صح له أن يقول سمع الله لمن حمده فهو ترجمان عن الحق للمأمومين يعرفهم بأن الله يقول ذلك حين حمدوه في تلاوتهم وتسبيحهم في ركوعهم فهو مخبر عمن استخلفه ولو أقام الله الإمام مقامه في الحال لقال سمعت لمن حمدني فأثبت بقوله سمع الله لمن حمده عين العبد واعلم أنه ما عبده إلا من كونه إلها لا من حيث ذاته خلافا لقول رابعة العدوية فإن قيل فما تصنع في مثل قوله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وهو كلام الله لعبده عليه السلام ولم يقل سمعت يريد ما ذكرنا وما يدريك لعل قوله سمع الله لمن حمده مثل هذا ولا سيما والنبي عليه السلام يقول إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده قلنا أما الآية فقد تكون تعريفا من جبريل الروح الأمين بأمر الله أن يقول له مثل هذا أي قل له يا جبريل قد سمع الله كما قيل لمحمد قل إنما أنا بشر وهو بشر فإن الحق لا يكون بشرا وهكذا جميع ما في كلام الله من مثل هذا فإن أضفته ولا بد إلى الحق فليكن الكلام لله من مرتبة خاصة إخبارا عن مرتبة أخرى خاصة إن شئت عبرت عنها بالذات وإن شئت عبرت عنها باسم إلهي فيقول الحق من كونه متكلما يا محمد قد سمع الله فيريد بالله هنا الاسم السميع أو العليم على مذهب من يرى أن سمعه علمه والأول على من يرى أن سمعه حقيقة أخرى لا يقال هي هو ولا هي غيره وعلى الذي قيل الأول من يرى أن سمعه ذاته وهكذا سائر ما ينسب إليه من الصفات فللمأموم أن يقول سمع الله لمن حمده على هذا التفسير كله وإن ورد ذلك في حق الإمام فما ورد المنع منه في حق المأموم ولا في حق المنفرد ولا سيما والإنسان إمام جماعة ذاته وما من جزء فيه إلا وهو حامد لله فيعرف لسانه سائر ذاته بأن الله قد سمع لمن حمده ولا سيما من كشف له عن تسبيح
(٤٥٤)