العلل والأمراض والتهدم تختلف عليها الأهواء والأمطار ويخربها مرور الليل والنهار والنشأة الآخرة التي بدلها وهي داره كما قد وصفها الشارع من كونهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون نزهها عن القذارات وأن تكون محلا تقبل الخراب أو تؤثر فيها الأهواء ثم يقول وأهلا خيرا من أهله فيقول قد فعلت فإن أهله في الدنيا كانوا أهل بغي وحسد وتدابر وتقاطع وغل وشحناء قال تعالى في الأهل الذي ينقلب إليه الميت ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ثم يقول وزوجا خيرا من زوجه وكيف لا يكون خيرا وهن قاصرات الطرف مقصورات في الخيام ولا تشاهد في نظرها أحسن منه ولا يشاهد أحسن منها قد زينت له وزين لها وطيبت له وطيب لها كما قال تعالى في الجنة ويدخلهم الجنة عرفها لهم أي طيبها من أجلهم فلا يستنشقون منها إلا كل طيب ولا ينظرون منها إلا كل حسن فدعاؤهم في الصلاة على الميت مقبول لأنه دعاء بظهر الغيب وما من خير يدعون به في حق الميت إلا والملك يقول لهذا المصلي على جهة الخبر ولك بمثله ولك بمثليه نيابة عن الميت ومكافأة له للمصلي على صلاته عليه خبر صدق وقول حق فقد تحقق حصول الخير للمصلي والمصلى عليه فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإنسان المؤمن إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك له ولك بمثله ولك بمثليه إخبارا عن الله تعالى من هذا الملك لهذا الداعي وخبر الملك صدق لا يدخله مين فعلى الحقيقة إنما صلى على نفسه وما أحسنها من رقدة بين ربه عز وجل وبين المصلي عليه فإن كان المصلى عليه عارفا بربه محبوبا عنده حب من يكون الحق سمعه وبصره ولسانه فليس المصلي سوى ربه وليستقبل في الصلاة الرب عز وجل فيكون الميت في رقدته بين ربه وربه فما أعلاها من رقدة ليتها إلى الأبد فنسأل الله تعالى لنا ولإخواننا إذا جاء أجلنا أن يكون المصلي علينا عبدا يكون الحق سمعه وبصره ولسانه لنا ولإخواننا وأولادنا وآبائنا وأهلينا ومعارفنا وجميع المسلمين من الجن والإنس آمين بعزته وكرمه ولما كان حال الموت حال لقاء الميت ربه واجتماعه به لجمعه ما تفرق في سائر الكتب والصحف المنزلة واختص من القرآن الفاتحة لكونها مقسمة بالخبر الإلهي بين الله وبين عبده وقد سماها الشرع صلاة وقال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين وخص الفاتحة بالذكر دون غيرها من سور القرآن فتعينت قراءتها بكل وجه في الصلاة على الميت لكونها تتضمن ثناء ودعاء ولا بد لكل شافع أن يثني على المشفوع عنده بما يليق بالشفاعة وأي ثناء أعظم من الرحمن الرحيم والمدح محمود لذاته وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شئ أحب إلى الله تعالى من أن يمدح والله تعالى قد وصف عباده المؤمنين بالحامدين وذم ولعن من ذم جناب الله ونسب إليه ما لا يليق به من الفقر والبخل إذ قالت اليهود يد الله مغلولة كنت بذلك عن البخل فأكذبهم الله بقوله بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فعم الكرم يديه فلا تيأسوا من روح الله فهذه عندنا من أرجى آية تقرأ علينا فتعين على الشافع أن يمدح ربه بلا شك فإنه أمكن لقبول الشفاعة مع الأذن فيها فما ثم مانع من القبول ورد في الخبر الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان غدا يوم القيامة وأراد أن يشفع يحمد الله أولا بين يدي الشفاعة بمحامد لا يعلمها الآن يقتضيها ذلك الموطن بحاله فإن الثناء على المشفوع عنده إنما يكون بحسب جنايات المشفوع فيهم فيقدم بين يدي شفاعته من الثناء على الله بحسب ما ينبغي له لذلك الموطن من مكارم الأخلاق وموطن القيامة ما شوهد الآن ولا وقع فلهذا قال لا أعلمها الآن (وصل في فصل التسليم من الصلاة على الجنازة) اختلف الناس فيه هل هو تسليمة واحدة أو اثنتان فالأكثر على أنه تسليمة واحدة وقالت طائفة يسلم تسليمتين وكذلك اختلفوا هل يجهر فيها بالسلام أو لا يجهر والذي أذهب إليه وأقول به إن حكم السلام من صلاة الجنازة في الإمام والمأموم حكم السلام من الصلاة سواء ولو كان وحده (الاعتبار) لما كان الشافع بين يدي المشفوع عنده وأقام المشفوع فيه بينه وبين ربه ليعين المشفوع فيه كما يحضر الشفيع نازلة من يشفع من أجلها بالذكر عند من يشفع عنده فأقام حضور الجاني بين يديه مقام النازلة التي كان يحضرها بالذكر لو لم يحضر الجاني فهو في حال غيبة عن كل من دون ربه بتوجهه إليه فإذا فرع من شفاعته رجع إلى الحاضرين عنده من بشر وملك وجان مؤمن فسلم عليهم كما يفعل في
(٥٣٠)