إذا غم علينا هلال رمضان فإن فيه خلافا بين أن نمد شعبان إلى أكثر المقدارين وهو الذي ذهبت إليه الجماعة وأما أن نرده إلى أقل المقدارين وهو تسعة وعشرون وهو مذهب الحنابلة ومن تابعهم ومن خالف من غير هؤلاء لم يعتبر أهل السنة خلافه فإنهم شرعوا ما لم يأذن به الله والذي أقول به أن يسأل أهل التسيير عن منزلة القمر فإن كان على درج الرؤية وغم علينا عملنا عليه وإن كان على غير درج الرؤية كملنا العدة ثلاثين وأما الشهور التي لا تعد بالقمر فلها مقادير مخصوصة أقل مقاديرها ثمانية وعشرون وهو المسمى بالرومية فبراير وأكثرها مقدارا ستة وثلاثون يوما وهو المسمى بالقبطية مسرى وهو آخر شهور سنة القبط ولا حاجة لنا بشهور الأعاجم فيما تعبدنا به من الصوم فأما انتهاء الثلاثين في ذلك فهو عدد المنازل والنازلين اللذين لا يخنسان وهما الشمس المشبهة بالروح التي ظهرت به حياة الجسم للحس والقمر المشبهة بالنفس لوجود الزيادة والنقص والكمال الزيادي والنقصي والمنازل مقدار المساحة التي يقطعها ما ذكرناه دائبا فإن بالشهر ظهرت بسائط الأعداد ومركباتها بحرف العطف من أحد وعشرين إلى تسعة وعشرين وبغير حرف العطف من أحد عشر إلى تسعة عشر وحصر وجود الفردية في البسائط وهي الثلاثة وفي العقد وهي الثلاثون ثم تكرار الفرد لكمال التثليث الذي عنه يكون الانتاج في ثلاثة مواضع وهي الثلاثة في البسائط والثلاثة عشر في العدد الذي هو مركب بغير حرف عطف والثلاثة والعشرون بحرف العطف وانحصرت الأقسام ولما رأينا أن الروح يوجد فتكون الحياة ولا يكون هناك نقص ولا زيادة فلا يكون للنفس عين موجودة لها حكم كموت الجنين في بطن أمه فقد نفخ الروح فيه أو عند ولادته لذلك كان الشهر قد يوجد من تسعة وعشرين يوما فإذا علمت هذا فقد علمت حكمة مقدار الشهر العربي وإذا عددناه بغير سير الهلال ونوينا شهرا مطلقا في إيلاء أو نذر عملنا بالقدر الأقل في ذلك ولم نعمل بالأكثر فإنا قد حزنا بالأقل حد الشهر ففرغنا وإنما نعتبر القدر الأكثر في الموضع الذي شرع لنا أن نعتبره وذلك في الغيم على مذهب أو يعطي ذلك رؤية الهلال لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (وصل في فصل إذا غم علينا في رؤية الهلال) اختلف العلماء إذا غم الهلال فقال الأكثرون تكمل العدة ثلاثين فإن كان الذي غم هلال أول الشهر عد الشهر الذي قبله ثلاثين وكان أول رمضان الحادي والثلاثين وإن كان الذي غم هلال آخر الشهر أعني شهر رمضان صام الناس ثلاثين يوما ومن قائل إن كان المغمى هلال أول الشهر صيم اليوم الثاني وهو يوم الشك ومن قائل في ذلك يرجع إلى الحساب بتسيير القمر والشمس وهو مذهب ابن الشخير وبه أقول (وصل اعتبار هذا) تقدم حديث سبب الخلاف خرج مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيده فقال الشهر هكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فاقدروا ثلاثين وقد ورد أيضا من حديث ابن عمر أنه قال صلى الله عليه وسلم إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين فهذا الحديث الثاني رفع الإشكال وحديث اقدروا من حمله على التضيق ابتدأ بصوم رمضان من يوم الشك ومن حمله على التقدير حكم بالتسيير وبه أقول اعلم أنه لا ترفع الأصوات إلا بالرؤية وبه سمي هلالا فمتى ما طلع هلال المعرفة في أفق قلوب العارفين من الاسم الإلهي رمضان وجب الصوم ومتى طلع هلال المعرفة في أفق قلوب العارفين من الاسم الإلهي فاطر السماوات والأرض وجب الفطر على الأرواح من قوله السماوات وعلى الأجسام من قوله والأرض وطلع هنا أي ظهر فإنه غارب يتلو الشمس فإن غم على العارف ولم يره من أجل الحجاب الحائل من عالم البرزخ فإن الغيم برزخي بين السماء والأرض فيقدر العارف لهلال المعرفة في قلبه بحاله وذلك أن ينظر في هلال عقله بتسييره في منازل سلوكه حالا بعد حال ومقاما بعد مقام فإن كان مقامه يعطي الكشف وإن النداء قد جاءه من خلف حجاب كما جاء وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب غير أن حجاب الطبيعة قام له في ذلك الوقت في أمر من أموره من شغل الخاطر بمال أو أهل وإن كان في الله فيعمل
(٦٠٦)