وذهبت طائفة إلى تكفير من منع فريضة من الفرائض وإن لم يجحد وجوبها (وصل الاعتبار في ذلك) اعلم أن في نفس المؤمن حظ الجنان ومن فيه منها الزكاة ولله ما بقي وهو الذي يصح فيه البيع وإلى هذا ذهبت جماعة المحققين من أهل طريق الله لتعدد أصناف من تجب لهم الزكاة من أنفسهم عليهم فالجنة فيها أصناف يطلبون من نفس المؤمن ما يستحقونه وهي الزكاة فالقصر يطلبه بالسكنى والزوجات يطلبنه بما احتجن إليه منه فالثمانية الأعضاء المكلفة من الإنسان كما يجب فيها الزكاة على الإنسان كذلك لها نسبة في أن تأخذ الزكاة من جهة أخرى فيقوم ما في الجنان مقام من يقسم عليهم ما يليق به فمن منع الزكاة من نفسه عن أحد هؤلاء الأصناف وهو مقربها أنها واجبة عليه فهو ظالم غير كافر إلا في الصلاة خاصة فإن تاركها كافر فإن الشرع سماه كافرا بمجرد الترك وما أدري ما أراد وإنما مانع الزكاة فهو ظالم حيث مسك حق الغير الذي يجب لهم وسأذكر بعد هذا إن شاء الله ما تجب فيه الزكاة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (وصل في ذكر ما تجب فيه الزكاة) اتفق العلماء على إن الزكاة تجب في ثمانية أشياء محصورة في المولدات من معدن ونبات وحيوان فالمعدن الذهب والفضة والنبات الحنطة والشعير والتمر والحيوان الإبل والبقر والغنم هذا هو المتفق عليه وهو الصحيح عندنا وأما الزبيب ففيه خلاف (الاعتبار في ذلك) الزكاة تجب من الإنسان في ثمانية أعضاء البصر والسمع واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ففي كل عضو وعلى كل عضو من هذه الأعضاء صدقة واجبة يطلب الله بها العبد في الدار الآخرة وأما صدقة التطوع فعلى كل عرق في الإنسان صدقة كما قال صلى الله عليه وسلم يصبح على كل سلامي من الإنسان صدقة والسلامي عروق ظهر الكف وقيل العروق فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكذلك التحميد والتكبير فالزكاة التي في هذه الأعضاء هي حق الله تعالى الذي أوجبها على الإنسان من هذه الأعضاء الثمانية كما أوجبها في هذه الثمانية من الذهب والورق وسائر ما ذكرنا مما تجب فيه الزكاة بالاتفاق فتعين على المؤمن أداء حق الله تعالى في كل عضو فزكاة البصر ما يجب لله تعالى فيه من الحق كالغض عن المحرمات والنظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند الله كالنظر في المصحف وفي وجه العالم وفي وجه من يسر بنظرك إليه من أهل وولد وأمثالهم وكالنظر إلى الكعبة إذا كنت لها مجاورا فإنه قد ورد أن للناظر إلى الكعبة عشرين رحمة في كل يوم وللطائف بها ستين رحمة وعلى هذا النحو تنظر في جميع الأعضاء المكلفة في الإنسان من تصرفها فيما ينبغي وكفها عما لا ينبغي (بيان وإيضاح) واعلم أن هذه الأصناف قد أحاطت بمولدات الأركان كما قلنا وهي المعدن والنبات والحيوان وما ثم رابع ففرض الله الزكاة في أنواع مخصوصة من كل جنس من المولدات لطهارة الجنس فتطهر النوع بلا شك من الدعوى التي حصلت فيه من الإنسان بالملك فإن الأصل فيه الطهارة من حيث إنه ملك لله مطلقا وذلك أن الأصل الذي ظهرت عنه الأشياء من أسمائه القدوس وهو الطاهر لذاته من دنس المحدثات فلما ظهرت الأشياء في أعيانها وحصلت فيها دعاوى الملاك بالملكية طرأ عليها من نسبة الملك إلى غير منشئها ما أزالها عن الطهارة الأصلية التي كانت لها من إضافتها إلى منشئها قبل أن يحلقها هذا الدنس العرضي بملك الغير لها وكفى بالحدث حدثا وهذه الأجناس لا تصرف لها في أنفسها فأوجب الله على مالكها فيها الزكاة وجعل ذلك طهارتها فعين الله فيها نصيبا يرجع إلى الله عن أمر الله لينسبها إلى مالكها الأصلي فتكتسب الطهارة فإن الزكاة إنما جعلها الله طهارة الأموال وكذلك في الاعتبار فإن هذه الأعضاء المكلفة هي طاهرة بحكم الأصل فإنها على الفطرة الأولى ولا تزول عنها تلك الطهارة والعدالة ألا تراها تستشهد يوم القيامة وتقبل شهادتها لزكاتها الأصلية وعدالتها فإن الأصل في الأشياء العدالة لأنها عن أصل طاهر والجرحة طارئة قال تعالى إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا وقال يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقال تعالى وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا وقال تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم فهذا كله إعلام من الله لنا أن كل جزء فينا شاهد عدل زكى مرضي وذلك بشرى خير لنا ولكن أكثر الناس لا يعلمون صورة
(٥٥٩)