شكرا لله تعالى حيث جعله من المتقين بدخوله المسجد حيث قال المسجد بيت كل تقي فأضافه إلى المتقين من عباده وقد كان مضافا إلى الله (وصل في فصل سجود التلاوة) اختلف علماء الشريعة في سجود التلاوة هل هو واجب أو سنة فمن الناس من قال إنه واجب ومن الناس من قال إنه سنة وليس بواجب (وصل الاعتبار في هذا الفصل) لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الثابت عنه إن الله عز وجل يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين ولم يذكر في المقسوم إلا تلاوة الفاتحة ولم يتعرض للهيئات من قيام أو ركوع أو سجود أو جلوس فلما لم يذكر إلا التلاوة ومن القرآن فاتحة الكتاب من العبد لله تعالى ما فيها من تلاوة فاتحة الكتاب وهذا الحديث دليلنا على وجوب قراءة الفاتحة على المصلي فسمينا التالي مصليا أو مناجيا لله تعالى بما يخص الله من الصفات وبما يخص العبد منها كشفا محققا في جميع القرآن المسمى كلام الله فثم آية تخص جناب الحق فهي لله مخلصة وثم آية تخص جناب العبد فهي له مخلصة وثم آية يقع فيها الاشتراك فهي بين الله وبين عبده والعمل في ذلك كالعمل في الفاتحة المنصوص عليها فجاء في الذي يتلوه من كلامه تعالى مواضع ينبغي السجود فيها فعين لنا الشارع ما نسجد فيه مما لا نسجد فيه فاشترط فيها من اشترط الطهارة والوقت للسجود والقبلة وسيأتي فصل ذلك كله فنسجد فيما سجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونترك فيما ترك وإن كان اللفظ بالأمر يقتضي السجود ولكن لا نسجد لكون الشارع ما شرع السجود إلا في مواضع مخصوصة معينة عينها لنا الشارع فعلا وقولا لا تتعدى ولا يزاد عليها والخلاف في عددها معلوم والسجود المشروعة في غير التلاوة مذكور كسجود الإنسان عند رؤية الآيات وكسجود الشكر وغير ذلك فلنذكر عدد عزائم السجود الوارد في القرآن ونجمع المختلف فيه إلى المجمع عليه (وصل في ذكر سجود القرآن العزيز) اعلم أن سجدات القرآن العزيز من إحدى عشرة سجدة إلى خمس عشرة سجدة فمنها ما ورد بصيغة الخبر ومنها ما ورد بصيغة الأمر السجدة الأولى من ذلك في سورة الأعراف في خاتمتها أما الأعراف فهو سور بين الجنة والنار باطنه فيه الرحمة وهو ما يلي الجنة وظاهره من قبله العذاب وهو ما يلي النار منه وعليه رجال تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلم ترجح في الوزن كفة على كفة فلم تثقل موازينهم ولا خفت فإنه ما وضع الله لأحد منهم في ميزانه تلفظه بلا إله إلا الله فإنه ما ثم سيئة تعادلها إلا الشرك وكما لا يجتمع الشرك والتوحيد في قلب شخص واحد كذلك لا يدخل في الميزان إلا لصاحب السجلات لسبب آخر نذكره في هذا الكتاب أو قد ذكرناه في باب القيامة فيما تقدم وأما خاتمة هذه السورة فقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وهذه الآية روينا أنها نزلت في القراءة في الصلاة والسجود ركن من أركان الصلاة وختم هذه السورة بذكر الملائكة وسجودهم لله فوصفهم فقال إن الذين عند ربك وهم المقربون من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته يقول يذلون ويخضعون له ويسبحونه أي ينزهونه عن الصفات التي لا يليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم الله في هذه الآية في قولهم ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فأخبر الله عنهم بما أخبروه عن نفوسهم وله يسجدون وصفهم بالسجود له عز وجل مع هذه الأحوال المذكورة وقال الله تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر أنه تعالى أتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وهم بشر مثله فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأي هدى أعظم مما هدى الله تعالى به الملائكة فسجد هذا التالي في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها وهكذا في كل سجدة ترد ورأى أصحاب الأعراف أن موطن القيامة قد سجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما طلب من ربه فتح باب الشفاعة تعظيما لله وهيبة وإجلالا وسمع الله يقول يوم يكشف عن ساق بأمر الآخرة تقول العرب كشفت الحرب عن ساقها وهو إذا حمي الوطيس واشتد الحرب وعظم الخطب فعلموا أنه موطن سجود فلما
(٥٠٩)