وسفر في الأسماء الإلهية بالتخلق وهو سفر حاله نازل عن الحال الأول وسفر ثالث في الأكوان بالاعتبار وهو حال دون الحالين وسفر جامع لهذه الأسفار كلها في أحوالها وهو أعظم أسفار الكون والأول أعظم الأسفار وأجلها فإذا دعا لحق المسافر للصلاة قصر عن صلاة المقيم لموضع الفرق فكما تميز المقيم من المسافر وحال الإقامة من حال السفر تميز حكم صلاة المقيم من حكم صلاة المسافر وأما قول عائشة وهو قول الله في الخوف فإن العبد مطلوب في كل نفس بمراقبة الحق في حكمه تعالى في ذلك النفس بما شرع له تعالى فيه خاصة وما كل أحد يقدر على مراعاة هذا المقام مع الحق فلا يزال في خوف دائما فالعارف إذا حصل فيه وخاف أن يلتبس عليه مناجاة الحق في الأنفاس اقتصر من المناجاة على ما يختص بذلك النفس فكان الخوف سببا للقصر وهو قول الله تعالى الذي ذهبت إليه عائشة وسيأتي تحقيق ما أومأنا إليه فيما بعد ولما قلنا إن العلماء اختلفوا من ذلك في خمسة مواضع تعين علينا إن نذكرها واعتباراتها موضعا موضعا إن شاء الله تعالى كما جرت عادتنا في عبادات هذا الكتاب (وصل في فصل الموضع الأول من الخمسة) وهو حكم القصر اختلف علما الشريعة في ذلك على أربعة أقوال فمن قائل إن القصر للمسافر فرض متعين وبه أقول ومن قائل إن القصر والإتمام كليهما فرض مخير له كالخيار في واجب الكفارة ومن قائل إن القصر سنة ومن قائل إن القصر رخصة والإتمام أفضل (وصل الاعتبار في ذلك) من رأى أن التمكين في التلوين إقامة قال الإتمام أفضل ومن راعى التلوين مع الأنفاس سواء كان مشعورا به أو غير مشعور به قال إن القصر فرض متعين ومن راعى التلوين والتمكين خيره في القصر والإتمام بحسب صاحب الوقت وحاكمه فإن كان صاحب الوقت التلوين بالحال والتمكين بالعلم قصر وإن كان صاحب الوقت التمكين بالحال والتلوين بالعلم أتم ومن لم يراع التلوين ولا التمكين وكان بحكم الطريق لا بحكم السالك فيه قال إن القصر سنة (وصل في فصل الموضع الثاني من الخمسة المواضع) وهي المسافة التي يجوز فيها القصر اختلف العلماء في ذلك فمن قائل في أربعة برد ومن قائل مسافة ثلاثة أيام ومن قائل في كل سفر قريبا كان أو بعيدا وبه أقول فإني أعتبر فيها مسمى السفر باللسان (وصل الاعتبار) في ذلك البريد اثنا عشر ميلا ولما كانت المسافة تطلب المقدار بذاتها والعدد يلزم المقادير وكانت مراتب العدد اثنتي عشرة مرتبة لا يزاد عليها ولا ينقص وهي واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة مائة ألف هذه بسائط الأعداد وما زاد عليها فمركب منها فإذا مشى الإنسان في طريق الله في الأربعة الأركان التي قامت منها نشأته وهي أخلاطه يقطع كل ركن بهذه الاثني عشرة وأما الأكابر فيقطعونها في الأربعة الأسماء الإلهية التي هي أمهات الأسماء كلها وعليها توقف وجود العالم وهو الحي العالم المريد القادر لا غير وبهذه الأسماء يثبت كونه إلها فإذا نظر العبد في هذه الأربعة مع الأربعة التي له كانت ثمانية ونظر إلى نفسه وعقله فكانت العشرة ونظر إلى توحيد ذاته وتوحيد ألوهيته كانت اثنتي عشرة وتم البريد فنظر هذا أيضا في أربع المراتب وهو قوله الأول والآخر والظاهر والباطن حقا وخلقا وصرف في كل حال من هذه الأحوال الاثني عشر تثبت بذلك أربعة برد فيقصر لها الصلاة وأما الثلاثة الأيام فيوم كما قال أبو يزيد حين سئل عن الزهد فقال هو هين ما كنت زاهدا سوى ثلاثة أيام اليوم الواحد زهدت في الدنيا واليوم الثاني زهدت في الآخرة واليوم الثالث زهدت في كل ما سوى الله ومن كانت هذه حاله قصر صلاته فإنه قد سافر أكمل الأسفار بلا خلاف وأما القصر في مسافة ينطلق عليها اسم سفر ولا بد في اللسان ولا يراعى البعد ولا القرب فهو الذي يراعي عالمه المكلفين فمن سافر منهم قصر فإذا سافر الإنسان ببصره للاعتبار قصر وإن سافر بسمعه أيضا قصر وإن سافر بفكره في المعقولات قصر وصورة قصره قصور نظره على ما يعطيه حاله في وقته فإن أعطاه الكل كان بحسبه وإن أعطاه البعض كان بحسبه وهذا هو مذهب الجماعة وعليه عولوا (وصل في فصل الموضع الثالث من الخمسة المواضع) وهو اختلافهم في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة فمن قائل إن ذلك مقصور على سفر الطاعات والأفعال المقربة إلى الله
(٤٦٩)