ما ورد وقوع ذلك ولا عدم وقوعه لا على لسان نبي ولا في كتاب منزل وإن غلط في ذلك جماعة فإنهم لم يستندوا فيه إلى تعريف إلهي وإنما يحتجون بالخبر وليس في الخبر ما يدل على إن غير الإنسان الكامل ما خلق على الصورة ويمكن صحة ذلك ويمكن عدم صحته (وصل سر إلهي) الطبيعة بين النفس والهباء وهو رأى الإمام أبي حامد ولا يمكن أن تكون مرتبتها إلا هنالك فكل جسم قبل الهباء إلى آخر موجود من الأجسام فهو طبيعي وكل ما تولد من الأجسام الطبيعية من الأمور والقوي والأرواح الجزئية والملائكة والأنوار فللطبيعة فيها حكم إلهي قد جعله الله تعالى وقدره فحكم الطبيعة من الهباء إلى ما دونه وحكم النفس الكلية من الطبيعة فما دونها وما فوق النفس فلا حكم للطبيعة ولا للنفس فيه وفيما ذكرناه خلاف كثير بين أصحاب النظر من غير طريقنا من الحكماء فإن المتكلم لا حظ له في هذا العلم من كونه متكلما بخلاف الحكيم فإن الحكيم عبارة عمن جمع العلم الإلهي والطبيعي والرياضي والمنطقي وما ثم إلا هذه الأربع المراتب من العلوم وتختلف الطريق في تحصيلها بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي وعليه طريقة أصحابنا ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد والصحة فيه مظنونة فلا يوثق بما يعطيه وأعني بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العباد ولا الزهاد ولا مطلق الصوفية إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل ليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خيالية فكرية يكون من ذلك فساد نظره وعلوم الأسرار كثيرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والأربعون في معرفة إنما كان كذا لكذا وهو إثبات العلة والسبب) إنما كان هكذا لكذا * علم من حاز رتبة الحكم لا تعلل وجود خالقنا * فيكن سيركم إلى العدم وهو الأول الذي ما له * أول في الحدوث والقدم أول مسألة من هذا الباب ما السبب الموجب لوجود العالم حتى يقال فيه إنما وجد العالم لكذا وذلك الأمر المتوقف عليه صحة وجوده إما أن تكون علة فتطلب معلولها لذاتها وإذا كان هذا فهل يصح أن يكون للمعلول علتان فما زاد أو لا يصح وذلك في النظر العقلي لا في الوضعيات وإذا تعددت العلل فهل تعددها يرجع إلى أعيان وجودية أو هل هي نسب لأمر واحد وثم أمور يتوقف صحة وجودها على شرط يتقدمها أو شروط ويجمع ذلك كله اسم السبب وللشرط حكم وللعلة حكم فهل العالم في افتقاره إلى السبب الموجب لوجوده افتقار المعلول إلى العلة أو افتقار المشروط إلى الشرط وأيهما كان لم يكن الآخر فإن العلة تطلب المعلول لذاتها والشرط لا يطلب المشروط لذاته فالعلم مشروط بالحياة ولا يلزم من وجود الحياة وجود العلم وليس كون العالم عالما كذلك فإن العلم علة في كون العالم عالما فلو ارتفع العلم ارتفع كونه عالما فهو من هذا الوجه يشبه الشرط إذ لو ارتفعت الحياة ارتفع العلم ولو ارتفع كونه عالما ارتفع العلم فتميز عن الشرط إذ لو ارتفع العلم لم يلزم ارتفاع الحياة فهاتان مرتبتان معقولتان قد تميزتا تسمى الواحدة علة وتسمى الأخرى شرطا فهل نسبة العالم في وجوده إلى الحق نسبة المعلول أو نسبة المشروط محال أن تكون نسبة المشروط على المذهبين فإنا لا نقول في المشروط يكون ولا بد وإنما نقول إذا كان فلا بد من وجود شرطه المصحح لوجوده ونقول في العالم على مذهب المتكلم الأشعري إنه لا بد من كونه لأن العلم سبق بكونه ومحال وقوع خلاف المعلوم وهذا لا يقال في المشروط وعلى مذهب المخالف وهم الحكماء فلا بد من كونه لأن الله اقتضى وجود العالم لذاته فلا بد من كونه ما دام موصوفا بذاته بخلاف الشرط فلا فرق إذن بين المتكلم الأشعري والحكيم في وجوب وجود العالم بالغير فلنسم تعلق العلم بكون العالم أزلا علة كما يسمى الحكيم الذات علة ولا فرق ولا يلزم مساوقة المعلول علته في جميع المراتب فالعلة متقدمة على معلولها بالمرتبة بلا شك سواء كان ذلك سبق العلم أو ذات الحق ولا يعقل بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن بون زماني ولا تقدير زماني لأن كلامنا في أول موجود ممكن والزمان من جملة الممكنات فإن كان أمرا وجوديا فالحكم فيه كسائر
(٢٦١)