بين الضدين ثم تلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن فجاز عنده إقامة جمعتين في مصر واحد وأكثر من جمعتين فقد يشهد الحق في كل اسم عنده من أسمائه ولكل اسم منه عالم ليس للاسم الآخر فيقام في ذات الإنسان جمعات كثيرة لاختلاف عوالمه في نفسه ولكل اسم حكم وسلطنة في عالمه وجماعته والمصر واحد فهذا قد حصل له المصر والسلطان والإقامة والسفر في حال واحد وعين واحدة وهو مسمى الإنسان وهو عالم صغير الجرم كبير المعنى ومن كان نظره في مثل هذه التجليات المتنوعة في الأسماء الإلهية والأعيان الكونية وأن الحق هو الأول من عين ما هو آخر من عين ما هو ظاهر من عين ما هو باطن إلى سائر الأسماء كانت ما كانت لاتساع الأمر في نفسه بتنوع معاني هذه الأسماء الإلهية والأعيان الكونية وأنها وإن تعددت بالنسب فهي عين واحدة وجودا منع أن يقام جمعتان في المصر الواحد وكل عارف من أهل الله يعمل بحسب وقته ونظره ولهذا قال إن الصوفي ابن وقته (وصل في فصل الخطبة) اختلف علماء الشريعة في خطبة يوم الجمعة هل هي شرط في صحة الصلاة وركن من أركانها أم لا فذهب الأكثرون إلى أنها شرط وركن وقال قوم إنها ليست بفرض وبه أقول وفي النفس من ذلك شئ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نص على وجوبها ولا على خلافه بل نقل بالتواتر إنه لم يزل يخطب فيها والوجوب حكم وتركه حكم ولا ينبغي لنا أن نشرع وجوبها ولا غير وجوبها فإن ذلك شرع لم يأذن به الله فمذهبنا المحقق التوقيف في الحكم عليها مع العمل بها ولا بد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يصليها بخطبة كما لم يزل يصلي العيدين بخطبة مع اجتماعنا على إن صلاة العيدين ليست من الفروض ولا خطبتها وما جاء عيد قط إلا وصلى ص صلاة العيد وخطب (وصل الاعتبار في ذلك) الخطبة شرعت للموعظة والخطيب داعي الحق وحاجب بابه ونائبه في قلب العبد يرده إلى الله ليتأهب لمناجاته ولذلك قدمها في صلاة الجمعة حتى جعلتها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فيما روى عنها إن الخطبة في صلاة الجمعة بدل من الركعتين فإن صلاة الجمعة ركعتان كصلاة المسافر فسنها قبل الصلاة لما ذكرناه من قصد التأهب للمناجاة كما سن النافلة من أجل الفريضة ابتداء لأجل الذكرى والتأهب فإن عناية الشرع إنما هي بما فرض فسن النافلة ابتداء في جميع الصلوات المفروضة ألا تراه حين فرض عليه قيام الليل كان يفتتحه بركعتين خفيفتين قبل الشروع في قيام الليل كل ذلك ليتنبه القلب لمناجاة من دعاه إليه بما افترض عليه ومشاهدته ومراقبته فإن الفريضة هي المطلوبة منه وهو المطلوب بها فمن رأى أن الانتباه أصل في الطريق كالهروي وغيره قال بوجوب الخطبة كالوضوء للصلاة منبه ومن رأى أن المقصود هو الصلاة وأن الإقامة فيها هو عين الانتباه لمن كان خفيف النوم جعل الخطبة سنة راتبة ينبغي أن تفعل وإن لم ينص عليها ولكن ثابر عليها فهكذا الانتباه قبل المناجاة للمناجاة أولى من أن يكون الانتباه في عين المناجاة فربما أثرت في مناجاته نومته المتقدمة قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فيحتمل أن يريد هنا بالذكر الخطبة فإنه مأمور بالإنصات في حال الخطبة ليسمع ما يقول ألا ترى ما قيل في حق المؤذنين إنهم أطول الناس أعناقا والعنق مجرى النفس وامتداده للاسماع برفع الصوت به كني عنه بطول العنق ولما أشهدني الحق الأذان بنفسي رأيت لكل كلمة من الخبر المقيد بالحس مد البصر في كل كلمة فالمؤذنون أفضل جماعة دعت إلى الله عن أمر الله ورسوله ولولا رفق الرسول ص بأمته لأذن فإنه لو أذن وتخلف عن إجابته من سمعه إذا قال حي على الصلاة كان عاصيا فكان بالمؤمنين رؤفا رحيما وإنما قلنا إنه يريد هنا بالسعي إلى ذكر الله الخطبة لأن الصلاة بذاتها تنهى عن الفحشاء وهو ما ظهر من المخالفة والمنكر وهو ما تنكره القلوب ولذكر الله فيها أكبر ما فيها يعني القول فيها أشرف أفعال المكلف في الصلاة فإنها تشتمل على أفعال وأقوال وقد روينا عن بعض العلماء أنه تأول ذكر الله الذي يسعى إليه هو الخطبة (وصل في فصل اختلاف القائلين بوجوب الخطبة في المجزي منها ما حده) فمنهم من قال أدنى ما ينطلق عليه اسم خطبة شرعية ومن قائل لا بد من خطبتين ومن قائل أقل ما ينطلق عليه اسم خطبة
(٤٦٢)