الكشف إن المصلي إذا أراد أن يكبر تكبيرة الإحرام في صلاة الصبح والعصر يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته لأنهم في ذلك الوقت تنصرف عنهم الملائكة الذين كانوا فيهم وترد عليهم الملائكة الذين يأتون إليهم وهم عند إتيانهم يسلمون على العبد وعند انصرافهم يسلمون أيضا والله قد أمرنا بقوله وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها فوجب على كل مؤمن عند حق إيمانه وحقيقته أن يرد في ذلك الوقت السلام عليهم وإلا فهو طعن في إيمانه إن حضر مع هذا الخبر ونذكره في ذلك الوقت وأما صاحب الكشف فهو على علم عين والمؤمن على بصيرة ومن استثنى العصر دون الصبح رأى أنه لا يستقبل الغيب إلا بعبودية الاضطرار لأن الغيب الأصل وهو هوية الحق ولا يفارق الغيب الهوية قال والصبح خروج من الغيب إلى الشهادة فلا أبالي بالشهادة على أية حالة كنت من العبودية من اضطرار واختيار لأن الفرض الوقوف في العبودية وأن الشهادة محل الدعوى لأنه محل الحركة والمعاش ورؤية الأغيار وحجابيات الأفعال ومن استثنى الصبح دون العصر قال أريد أن استقبل الاسم الظاهر بعبودية الاضطرار ولا أبالي باستقبال الليل بأي عبودية استقبلته بعبودية الاضطرار ولا بعبودية الاختيار ولهذا تنفل بعد العصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تنفل بعد الصبح فقط وذلك أن هذا الذي مذهبه التنفل بعد العصر إن شاء يقول الليل له الغيب وله الاسم الباطن وله من القوة بحيث إنه يجعلني مضطرا شئت أم أبيت وليس النهار كذلك فإن استقبلته بعبودية الاختيار فهو يحكم على سلطانه ويردني مضطرا فكل طائفة راعت أمرا ما في الاعتبار في الصلوات التي لا ترى إعادتها إذا صلتها وقد تقدم معرفة المنفرد والجماعة (فصل بل وصل فيمن أولى بالإمامة) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرأهم لكتاب فقالت طائفة أفقههم لا أقرأهم فهذه مسألة خلاف بين أصحاب هذا القول وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني سألت القائلين بهذا المذهب هل بلغكم هذا الحديث فاعترفوا فقالوا رويناه وعلمناه وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول ولا حجة للقائلين بخلاف ما قاله ولا سيما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ففرق بين الفقيه والقارئ وأعطى الإمامة للقارئ ما لم يتساويا في القراءة فإن تساويا لم يكن أحدهما أولى بالإمامة من الآخر فوجب تقديم العالم الأعلم بالسنة وهو الأفقه ثم قال عليه السلام فإن كانوا في العلم بالسنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه وهو حديث متفق على صحته وبه قال أبو حنيفة وهو الصحيح الذي يعول عليه وأما تأويل المخالف للنص بأن الأقرأ كان في ذلك الزمان الأفقه فقد رد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم فأعلمهم بالسنة واعلم أن كلام الله لا ينبغي أن يقدم عليه شئ أصلا بوجه من الوجوه فإن الخاص إن تقدمه من هو دونه فليس بخاص وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته وهم الذين يقرءون حروفه من عجم وعرب وقد صحت لهم الأهلية الإلهية والخصوصية فإذا انضاف إلى ذلك المعرفة بمعانيه فهو فضل في الأهلية والخصوصية لا من حيث القرآن بل من حيث العلم بمعانيه فإن انضاف إلى ذينك إلى حفظه والعلم بمعانيه العمل به فنور على نور على نور فالقارئ مالك البستان والعالم كالعارف بأنواع فواكه البستان وتطعيمه ومنافع فواكهه والعامل كالآكل من البستان فمن حفظ القرآن وعلمه وعمل به كان كصاحب البستان علم ما في بستانه وما يصلحه وما يفسده وأكل منه ومثل العالم العامل الذي لا يحفظ القرآن كمثل العالم بأنواع الفواكه وتطعيماتها وغراستها والآكل الفاكهة من بستان غيره ومثل العامل كمثل الآكل من بستان غيره فصاحب البستان أفضل الجماعة الذين لا بستان لهم فإن الباقي يفتقرون إليه (وصل) في اعتبار ذلك الأحق بالإمامة من كان الحق سمعه وبصره ويده ولسانه وسائر قواه فإن كانوا في هذه الحالة سواء فأعلمهم بما تستحقه الربوبية فإن كانوا في العلم بذلك سواء فاعرفهم بالعبودية ولوازمها وليس وراء معرفة العبودية حال يرتضى يقوم مقامه أو يكون فوقه لأنهم لذلك خلقوا قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون والإمامة على الحقيقة إنما هي لله الحق تعالى جل جلاله وأصحاب هذه الأحوال
(٤٤٥)