الله عليه وسلم على مقام دعوته للموحدين حيث دعاهم إلى النطق بها قربة ولم يكن لهم علم بذلك فاهدى مرة إلى البيت غنما وهي من الحيوان الطاهر الذي تجوز لنا الصلاة في مرابضها فكان مثل تقريب الموحدين خرج مسلم عن عائشة قالت أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت غنما فقلدها والتقليد للغنم أي هذه صفتها التي أوجبت لها القرب أن تكون قربانا (حديث سادس وثلاثون يوم النحر هو يوم الحج الأكبر) ذكره أبو داود عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال أي يوم هذا فقالوا هذا يوم النحر فقال هذا يوم الحج الأكبر يعني الذي سماه الله في قوله وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر وإنما سمي في ذلك الوقت يوم الحج الأكبر لأنه كان مجمع الحاج بجملته إذ كان من الناس من يقف بعرفة وكانت الحمس تقف بالمزدلفة فكانوا متفرقين فلما كان يوم منى اجتمع فيه أهل الوقوف بالمزدلفة وبعرفة فكان يوم الحج الأكبر لاجتماع الكل فيه ولما كان إبقاء هذا الاسم عليه بعد أن صار الوقوف كله بعرفة حدث له معنى آخر في الإسلام نبه الشارع عليه ولهذا سن طواف الإفاضة في هذا اليوم فأحل في هذا اليوم من إحرامه مع كونه متلبسا بالحج حتى يفرع من أيام منى فلما أحل من إحرامه في هذا اليوم زال عن التحجير الذي كان تلبس به في هذه العبادة وأبيح له جميع ما كان حرم عليه وأحل الحل كله في هذا اليوم وكان إحلاله عبادة كما كان إحرامه عبادة وما زال عنه اسم الحج لما بقي عليه من الرمي فكان يوم الحج الأكبر لهذا السراح والإحلال فكانت أيام منى أيام أكل وشرب وبعال فمن أراد فضل هذا اليوم فليطف فيه طواف الإفاضة ويحل الحل كله فإن لم يفعل فما هو من أهل الحج الأكبر فلا يغلبنك الشيطان عن فضل هذا اليوم بأن تتميز في أهله وهو يوم النحر نحر البدن وقبولها قربانا وإعادة منفعتها علينا من أكل لحومها والأجر الجزيل في نحرها والصدقة بلحومها (حديث سابع وثلاثون نحر البدن قائمة) خرج أبو داود عن أبي الزبير عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها أعلاما لما كان نحرها قربة أراد المناسبة في صفة نحرها في الوترية فأقامها على ثلاث قوائم فإن الله وتر يحب الوتر والثلاث أول الأفراد فلها أول المراتب في ذلك والأولية وترية أيضا وجعلها قائمة لأن القيومية مثل الوترية صفة إلهية فهو القائم تعالى على كل نفس بما كسبت فيذكر الذي ينحرها بقيامها وأن النحر كسب له مشاهدة القائم على كل نفس بما كسبت وقد صح أن المناسك إنما شرعت لإقامة ذكر الله وهذا من مناسك الحج أعني صفة النحر فيذكر الله بهذه الصفة وشفع الرجلين لقوله التفت الساق بالساق وهو اجتماع أمر الدنيا والآخرة وأفرد اليمين من يد البدنة حتى لا تعتمد إلا على وتر الاقتدار والشفع والوتر فالبدنة قائمة بحق لخلق بشفعية رجليها ووترية يدها فتذكر الله بهذه الصفة وإن القيام ما صح للأشياء الأعلى وتر بحالة تجمع الشفعية والوترية وهي أول حالة يظهر فيها هذا الجمع وليس إلا الثلاثة ولا يمكن للبدنة القيام الأعلى ثلاث قوائم وكان العقل في اليد اليسرى لأنها خلية عن القوة التي لليمنى والقيام لا يكون الأعلى الأقوى لأجل الاعتماد قال في الصلاة أقيموا الصلاة وقال قد قامت الصلاة فأخبر بالماضي قبل قيام العبد لها فأراد قيام صلاة الله على العبد ليقوم العبد إلى الصلاة فيقيم بقيامه نشأتها قال تعالى هو الذي يصلي عليكم فهو المشار إليه بقوله قد قامت الصلاة فالقيام معتبر في العبادات ومنه الوقوف بيوم عرفة وفي جمع وعند رمي الجمار وأعمال الحج كلها لا تصح إلا من قائم (حديث ثامن وثلاثون منى كلها منحر) خرج مسلم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال منى كلها منحر قد قلنا إن منى من بلوع الأمنية ومن بلغ المنى المشروع فقد بلغ الغاية فجعله محلا للقرابين وهو إتلاف أرواح عن تدبير أجسام حيوانية ليتغذى بها أجسام إنسانية فتنظر أرواحها إليها في حال تفريقها فتدبرها إنسانية بعد ما كانت تدبرها إبلا أو بقرا أو غنما وهذه مسألة دقيقة لم يتفطن لها إلا من نور الله بصيرته من أهل الله ويحتوي عليها قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
(٧٥٤)