يراه بعضهم فطهارة الشريعة رؤيتها من الله الواحد الحق ولهذا لا ينبغي لنا أن نطعن في حكم مجتهد لأن الشرع الذي هو حكم الله قد قرر ذلك الحكم فهو شرع الله بتقريره إياه وهي مسألة يقع في محظورها أصحاب المذاهب كلهم لعدم استحضارهم لما نبهنا عليه مع كونهم عالمين به ولكنهم غفلوا عن استحضاره فأساءوا الأدب مع الله في ذلك حين فاز بذلك الأدباء من عباد الله فمن خطأ مجتهدا بعينه فقد خطأ الحق فيما قرره حكما فإذا انخرق الشرع فظهر في مسألة ما حكم من أحكام التوحيد مما تزيل حكم الشرع مطلقا انتقل الحكم الطهارة ذلك التوحيد المؤثر في إزالة حكم الشريعة كمن ينسب الأفعال كلها إلى الله من جميع الوجوه فلا يبالي فيما يظهر عليه من مخالفة أو موافقة فمثل هذا التوحيد يجب التنزيه منه لظهور هذا الأثر فإنه خرق للشريعة ورفع لحكم الله كما لا يجوز المسح مع زوال اسم الخف فإن كان الخرق يبقى اسم الخف عليه كان الحكم كما قررناه من المسح على الخف ومسح ما ظهر من الرجل وهو أن يبين في ذلك التوحيد المعين في هذه المسألة الوجه المشروع وهو أن نقول والله خلقكم وما تعملون فالأعمال خلق لله مع كونها منسوبة إلينا فلم ينسبها من جميع الوجوه فلم يؤثر في المسح ويكون الحكم في ذلك كما قررناه وأهل طريقنا اختلفوا في هذه المسألة اختلافا كثيرا على صورة ما اختلف فيه أهل المسح على الخف سواء فأما من حده بثلاثة أصابع فراعى ظهور التوحيد في ثلاث منازل وهو حكم الشرع في الإنسان في معناه وفي حسه وفي خياله فإذا عم التوحيد هذه الثلاثة لم يجز الأخذ به وانتقل إلى مسح الرجل أو غسله كما ينتقل تنزيه الإنسان نفسه عن مثل هذا التوحيد حيث أزال حكم الشرع منه فحكم حكم من زال عنه اسم الخف (باب في توقيت المسح) اختلف في ذلك فمن قائل بالتوقيت فيه ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ومن قائل بأن لا توقيت وليمسح ما بدا له ما لم يقم مانع كالجنابة (وصل حكمه في الباطن) فأما الحكم في ذلك في الباطن على مذهب القائل بالتوقيت فقد قررنا في المسح على الخف في باب العالم والمتعلم أن ذلك سفر حيث انتقل الأمر من المعلم إلى المتعلم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علم الناس شرائعهم كرر الكلمة ثلاث مرات حتى تفهم عنه لأنه مأمور بالبيان والإبلاغ هذا معنى مسح المسافر ثلاثا وأما توقيت الحاضر بيوم وليلة فإنه ليس له في نفسه إلا قيام ذلك الأمر فيعلمه فلا يعيد عليه لنفسه لأنه قد ظهر له وهو من نفسه على يقين وما هو على يقين من قبول غيره لذلك عند التعليم فيكرره ثلاث مرات ليتيقن أن قد فهم عنه ومن لم يقل بالتحديد نظر إلى فطر المتعلمين فمنهم من يفهم بأول مرة ومنهم من لا يفهم إلا بعد تفصيل وتكرار المرة بعد المرة حتى يفهم فلا يوقت عددا بعينه في حال تعليمه غيره الذي هو بمنزلة السفر ولا ينظره في نفسه الذي هو بمنزلة الحضر فإنه في نفسه قد يمكن أن يتصور فيما ظهر له أنه ربما يكون شبهة فيحقق النظر فيه مرارا فلا توقيت وأما حكم الجنابة في إزالة الخف فالجنابة هي الغربة والجنيب الغريب فإذا وقع في القلب أمر غريب يقدح في الشرع جرد النظر في ذلك بالعقل دون الاستدلال بالشرع مثل أن يخطر له خاطر البرهمي المنكر للشريعة فلا يقبل دليل الشرع على إبطال هذا القول الذي خطر له فإنه محل النزاع فلا بد أن ينزع من الاستدلال بالشرع إلى الاستدلال بما تعطيه أدلة النظر وسواء وقع ذلك له كالحضر أو لغيره كالسفر كما إن الجنب سواء كان مسافرا أو حاضرا لا بد من إزالة الخف (باب في شرط المسح على الخفين) فمن قائل إن من شرط المسح أن يكون الرجلان طاهرتين بطهر الوضوء ومن قائل إنه ليس من شرطه إلا طهارتهما من النجاسة وبه أقول والقول الأول أحوط وبقي شرط آخر أن لا يكون خف على خف فمن قائل بجواز المسح عليهما وبه أقول ومن قائل بالمنع وهكذا حكم الجرموق (وصل في حكم الباطن في ذلك) وأما حكم الباطن في ذلك فإن الطهر المعقول في الباطن هو التنزيه كما قررناه عقلا وشرعا وهذه الطهارة الخاصة للرجلين طهارة شرعية وقد وصف نفسه تعالى بأن له الهرولة لمن أقبل إليه يسعى والسعي والهرولة من صفات الأرجل فمن نزه الحق عن الهرولة فقد أكذب الحق فيما وصف به نفسه وإن كان العقل لا يقبل من حيث دليله هذه النسبة إليه تعالى والايمان يقبلها وينفي التشبيه بقوله تعالى ليس كمثله
(٣٤٨)