بريرة في قوله هو لها صدقة ولنا هدية لأنها بلغت محلها وهذا هو الشرط الثامن واعلم أن هذا الأجر أجر تفضل إلهي عينه السيد لعبده فإن العبد لا ينبغي له استحقاق الأجر على سيده فيما يستعمله فيه فإنه ملكه وعين ماله ولكن تفضل سيده عليه بأن عين له على عمله أجرا وسره خلقه على الصورة فإن عبيدنا إخواننا فافهم وأما العلماء بالله عز وجل فأجرهم مشاهدة سيدهم إذا رجعوا إليه من التبليغ الذي أمرهم به فإنهم حزنوا لمفارقة ذلك المشهد الأقدس ومشاهدة الأكوان فوعدهم بأنهم إذا رجعوا إليه كان لهم المزيد في المشاهدة فأخبروا الناس أن أجرهم على الله (فصل بل وصل فيمن يقول مثل ما يقول من يسمع الأذان) واختلف علماء الشريعة في ذلك فمن قائل إنه يقول مثل ما يقول المؤذن كلمة بكلمة إلى آخر النداء ومن قائل إنه يقول مثل ما يقول المؤذن إلا إذا جاء بالحيعلتين فإن السامع يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وبالقول الأول أقول فإنه أولى إلا أن يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحوقلة في ذلك فإنا أقول به ولا أشترط أن يمشي السامع مع المؤذن في كل كلمة ولكن إن شاء قال مثل ما يقول المؤذن في أثر كل كلمة وإن شاء إذا فرع يقول مثله وذلك في المؤذن الذي يؤذن للاعلام في المنارة أو على باب المسجد أو في نفس المسجد ابتداء عند دخول الوقت من قبل أن يعلم من في المسجد إن وقت الصلاة دخل فهذا هو المؤذن الذي شرع له الأذان وأما المؤذنون في المسجد بين الجماعة الذين يسمعون الأذان فهم ذاكرون الله بصورة الأذان فلا يجب على السامع أن يقول مثله فإن ذلك عندنا بمنزلة السامع يقول مثل ما قال المؤذن ولم يشرع لنا ولا أمرنا أن نقول مثل ما يقول السامع إذا قال ما يقول المؤذن اعتبار ذلك في الباطن قال تعالى فيما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني والمؤذن داع إلى الله بلا شك ثم قال ومن اتبعني وهو غير النبي يدعو بمثل دعوة النبي عليه السلام عباد الله إلى توحيد الله والعمل بطاعته وهو بمنزلة السامع للمؤذن الذي أمره الشارع أن يقول مثل ما يقول المؤذن لا يزيد على ذلك ولا ينقص كذلك ينبغي للداعي إلى الله أن يدعو بشرعه المنزل المنطوق به حاكيا لا يزيد على دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم نضر الله امرءا سمع مني كلمة فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع وهذه مسألة اختلف الناس فيها أعني في هذا الخبر في نقله على المعنى والصحيح عندي إن ذلك لا يجوز جملة واحدة إلا أن يبين الناقل أنه نقل على المعنى فإن الناقل على المعنى إنما ينقل إلينا فهمه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تعبدنا الله بفهم غيرنا إلا بشرط في الأخبار بالاتفاق وفي القرآن بخلاف في حق الأعجمي الذي لا يفهم اللسان العربي فإن هذا الناقل على المعنى ربما لو نقل إلينا عين لفظه صلى الله عليه وسلم ربما فهمنا مثل ما فهم أو أكثر أو أقل أو نقيض ما فهم فالأولى نقل الحديث كما ننقل القرآن فالداعي إلى الله لا يزيد على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخبار بالأمور المغيبة إلا إن أطلعه الله على شئ من الغيب مما علمه الله فله أن يدعو به مما لا يكون مزيلا لما قرره الشرع بالتواتر عندنا أي على طريق يفيد العلم لا بد من هذا فعلى هذا الحد يكون الاعتبار في القول مثل ما يقول المؤذن حتى لو قال السامع سبحان الله عند قول المؤذن الله أكبر لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمتثل أمر الله فإن الله يقول وأطيعوا الرسول وقال من يطع الرسول فقد أطاع الله وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقول مثل ما يقول المؤذن وإن كان قال هذا السامع خيرا وكذلك لو قال الله الكبير لم يقل مثله إلا إن قال المؤذن الله الكبير وفيه خلاف في حق المؤذن بهذا اللفظ فمن أجاز ذلك أوجب على السامع أن يقول مثله فلو قال السامع الله أكبر فقد قال الأذان المشروع المنصوص عليه المنقول بالتواتر وبين قول الإنسان الله الكبير وقوله الله أكبر فرقان عظيم فاذن لا ينبغي أن تنقل الأخبار إلا كما تلفظ بها قائلها إلا في مواضع الضرورة وذلك في الترجمة لمن ليس من أهل ذلك اللسان فأما في القرآن فينبغي إن ينقل المسطور ويقرر لفظه كما ورد وبعد ذلك يترجم عنه حتى يخرج من الخلاف ويكون في الترجمة مفسرا لا تاليا وأما في غير القرآن فله إن يترجم على المعنى بأقرب لفظ يكون بحكم المطابقة على المعنى كما كان في الخبر النبوي (فصل بل وصل في الإقامة)
(٤٠٣)