الحرارة اليبوسة فأنتجا ركن النار ونكحت الحرارة الرطوبة فأنتجا ركن الهواء ثم نكح البرودة الرطوبة فأنتجا ركن الماء ونكح البرودة اليبوسة فأنتجا ركن التراب فحصلت في الأبناء حقائق الآباء والأمهات فكانت النار حارة يابسة فحرارتها من جهة الأب ويبوستها من جهة الأم وكان الهواء حارا رطبا فحرارته من جهة الأب ورطوبته من جهة الأم وكان الماء باردا رطبا فبرودته من جهة الأب ورطوبته من جهة الأم وكانت الأرض باردة يابسة فبرودتها من جهة الأب ويبوستها من جهة الأم فالحرارة والبرودة من العلم والرطوبة واليبوسة من الإرادة هذا حد تعلقها في وجودها من العلم الإلهي وما يتولد عنهما من القدرة ثم يقع التوالد في هذه الأركان من كونها أمهات لآباء الأنوار العلوية لا من كونها آباء وإن كانت الأبوة فيها موجودة فقد عرفناك أن الأبوة والبنوة من الإضافات والنسب فالأب ابن لأب هو ابن له والابن أب لابن هو أب له وكذلك باب النسب فانظر فيه والله الموفق لا رب غيره ولما كانت اليبوسة منفعلة عن الحرارة وكانت الرطوبة منفعلة عن البرودة قلنا في الرطوبة واليبوسة إنهما منفعلتان وجعلناهما بمنزلة الأم للأركان ولما كانت الحرارة والبرودة فاعلين جعلناهما بمنزلة الأب للأركان ولما كانت الصنعة تستدعي صانعا ولا بد والمنفعل يطلب الفاعل بذاته فإنه منفعل لذاته ولو لم يكن منفعلا لذاته لما قبل الانفعال والأثر وكان مؤثرا فيه بخلاف الفاعل فإنه يفعل بالاختيار إن شاء فعل فيسمى فاعلا وإن شاء ترك وليس ذلك للمنفعل ولهذه الحقيقة ذكر تعالى وهو من فصاحة القرآن وإيجازه ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين فذكر المنفعل ولم يذكر ولا حار ولا بارد لما كانت الرطوبة واليبوسة عند العلماء بالطبيعة تطلب الحرارة والبرودة اللتين هما منفعلتان عنهما كما تطلب الصنعة الصانع لذلك ذكرهما دون ذكر الأصل وإن كان الكل في الكتاب المبين فلقد جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما نالها أحد سواه كما قال فعلمت علم الأولين والآخرين في حديث الضرب باليد فالعلم الإلهي هو أصل العلوم كلها وإليه ترجع وقد استوفينا ما يستحقه هذا الباب على غاية الإيجاز والاختصار فإن الطول فيه إنما هو بذكر الكيفيات وأما الأصول فقد ذكرناها ومهدناها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثاني عشر (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الثاني عشر) في معرفة دورة فلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي دورة السيادة وأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله تعالى إلا بأبي من كان ملكا وسيدا * وآدم بين الماء والطين واقف فذاك الرسول الأبطحي محمد * له في العلى مجد تليد وطارف أتى بزمان السعد في آخر المدى * وكانت له في كل عصر مواقف أتى لانكسار الدهر يجبر صدعه * فأثنت عليه ألسن وعوارف إذا رام أمرا لا يكون خلافه * وليس لذاك الأمر في الكون صارف اعلم أيدك الله أنه لما خلق الله الأرواح المحصورة المدبرة للأجسام بالزمان عند وجود حركة الفلك لتعيين المدة المعلومة عند الله وكان عند أول خلق الزمان بحركته خلق الروح المدبرة روح محمد صلى الله عليه وسلم ثم صدرت الأرواح عند الحركات فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة وأعلمه الله بنبوته وبشره بها وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين وانتهى الزمان بالاسم الباطن في حق محمد صلى الله عليه وسلم إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر محمد صلى الله عليه وسلم بذاته جسما وروحا فكان الحكم له باطنا أولا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين ثم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الإسمين وإن كان المشرع واحدا وهو صاحب الشرع فإنه قال كنت نبيا وما قال كنت إنسانا ولا كنت موجودا وليست النبوة إلا بالشرع المقرر عليه من عند الله فأخبر أنه صاحب
(١٤٣)