الصواب ثم إنهم أكدوا ذلك بقولهم ما ذكرناه عنهم إن صفاته لا هي هو ولا هي غيره وحدوا الغيرين بحد يمنعه غيرهم وإذا سألتهم هل هي أمر زائد اعترفوا بأنها أمر زائد وهذا هو عين الاستقراء فلهذا قلنا إن الاستقراء في العلم بالله لا يصح وإن الاستقراء على الحقيقة لا يفيد علما وإنما أثبتناه في مكارم الأخلاق شرعا وعرفا لا عقلا فإن العقل يدل عليه سبحانه إنه فعال لما يريد لا يقاس بالمخلوق ولا يقاس المخلوق عليه وإنما الأدلة الشرعية أتت بأمور تقرر عندنا منها إنه يعامل عباده بالإحسان وعلى قدر ظنهم به قال تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون في الطرفين للوازم قررها الشارع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن النائم عن الصلاة إذا استيقظ أو الناسي إذا تذكر وقد خرج وقت الصلاة فيصليها هل يثبتها دائما في كل يوم في ذلك الوقت فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم فبين أنه سبحانه ما يحمد خلقا من مكارم الأخلاق إلا والحق تعالى أولى به بأن يعامل به خلقه ولا يذم شيئا من سفساف الأخلاق إلا وكان الجناب الإلهي أبعد منه ففي مثل هذا الفن يسوع الاستقراء بهذه الدلالات الشرعية وأما غير ذلك فلا يكون فقد أبنت لك صحة الاستقراء من سقمه في المعاملات وأما الاستقراء في التجليات فرأينا إن الهيولى الصناعية تقبل بعض الصور لا كلها فوجدنا الخشب يقبل صورة الكرسي والمنبر والتخت والباب ولم نره يقبل صورة القميص ولا الرداء ولا السراويل ورأينا الشقة تقبل ذلك ولا تقبل صورة السكين والسيف ثم رأينا الماء يقبل صورة لون الأوعية وما يتجلى فيها من المتلونات فيتصف بالزرقة والبياض والحمرة سئل الجنيد رحمه الله عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه ثم استقر أنا عالم الأركان كلها والأفلاك فوجدنا كل ركن منها وكل فلك يقبل صورا مخصوصة وبعضها أكثر قبولا من بعض ثم نظرنا في الهيولى الكل فوجدناها تقبل جميع صور الأجسام والأشكال فنظرنا في الأمور فرأيناها كلما لطفت قبلت الصور الكثيرة فنظرنا في الأرواح فوجدناها أقبل للتشكل في الصور من سائر ما ذكرناه ثم نظرنا في الخيال فوجدناه يقبل ما له صورة ويصور ما ليست له صورة فكان أوسع من الأرواح في التنوع في الصور ثم جئنا إلى الغيب في التجليات فوجدنا الأمر أوسع مما ذكرناه ورأيناه قد جعل ذلك أسماء كل اسم منها يقبل صورا لا نهاية لها في التجليات وعلمنا إن الحق وراء ذلك كله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فجاء في عدم الإدراك بالاسم اللطيف إذ كانت اللطافة مما ينبو الحس عن إدراكها فتعقل ولا تشهد فتسمى في وصفه الذي تنزه أن يدرك فيه باللطيف الخبير أي تلطف عن إدراك المحدثات ومع هذا فإنه يعلم ويعقل أن ثم أمرا يستند إليه فأتى بالاسم الخبير على وزن فعيل وفعيل يرد بمعنى المفعول كقتيل بمعنى مقتول وجريح بمعنى مجروح وهو المراد هنا والأوجه وقد يرد بمعنى الفاعل كعليم بمعنى عالم وقد يكون أيضا هو المراد هنا ولكنه يبعد فإن دلالة مساق الآية لا تعطي ذلك فإن مساقها في إدراك الأبصار لا في إدراك البصائر فإن الله قد ندبنا إلى التوصل بالعلم به فقال فاعلم أنه لا إله إلا الله ولا يعلم حتى ننظر في الأدلة فيؤدينا النظر فيها إلى العلم به على قدر ما تعطينا القوة في ذلك فلهذا رجحنا خبير هنا بمعنى المفعول أي أن الله يعلم ويعقل ولا تدركه الأبصار فهذا القدر مما يتعلق بهذا الباب من الاستقراء وأما كونه لا يفيد العلم في هذا الموطن فإنه ما من أصل ذكرناه يقبل صورا ما إلا يجوز بل يقع وقد وقع أنه يتكرر في تلك الصور مراتب عديدة وهذا قد ورد في الأخبار أن جبريل عليه السلام نزل مرارا على صورة دحية الكلبي ولما لم يصح عندنا في التجلي الإلهي أن يتكرر تجل إلهي لشخص واحد مرتين ولا يظهر في صورة واحدة لشخصين علمنا إن الاستقراء لا يفيد علما فإن جناب التجلي لا يقبل التكرار فخرج عن حكم الاستقراء من وجه عدم التكرار ولحق به من حيث التحول في الصور وقد ورد التحول في حديث مسلم في حديث الشفاعة من كتاب الايمان فلا يعول على الاستقراء في شئ من الأشياء لا في الأحوال ولا في المقامات ولا في المنازل ولا في المنازلات والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السابع والخمسون في معرفة تحصيل علم الإلهام بنوع ما من أنواع الاستدلال ومعرفة النفس) لا تحكمن بإلهام تجده فقد * يكون في غير ما يرضاه واهبه
(٢٨٥)