السرحان وهو المستطيل وجعله الشارع من الليل ولا يجوز بظهوره صلاة الصبح ولا يمنع مريد الصوم من الأكل ويشبه أن يكون شبيه الفجر المستطير الذي يصلى بظهوره صلاة الصبح ولا يجوز للصائم أن يأكل بظهوره إلا أن الأظهر عندي إنه شبيه الفجر المستطير الذي يصلى بظهوره الصبح وذلك لاتصاله بالحمرة إلى طلوع الشمس لا ينقطع بظلمة كما ينقطع الفجر الكاذب كذلك البياض الذي في أول الليل متصل بالحمرة فإذا غابت الحمرة بقي البياض فلو كانت بين البياض والحمرة ظلمة قليلة كما يكون بين الفجر المستطيل وحمرة أسفار الصبح كنا نلحقها بالفجر الكاذب ونلغي حكمها فكان والله أعلم أن الذي يراعي مغيب البياض في أول وقت العشاء أوجه ولكن إذا ثبت أن الشارع صلى في البياض بعد مغيب الشفق الأحمر فنقف عنده فللشارع إن يعتبر البياض والحمرة التي تكون في أول الليل بخلاف ما نعتبرها في آخر الليل وإن كان ذلك عن آثار الشمس في غروبها وطلوعها وأما قوله تعالى والصبح إذا تنفس فالأوجه عندي في تفسيره أنه الفجر المستطيل لانقطاعه كما ينقطع نفس المتنفس ثم بعد ذلك تتصل أنفاسه وأما آخر وقتها فمن قائل إنه ثلث الليل ومن قائل إنه إلى نصف الليل ومن قائل إنه إلى طلوع الفجر وبه أقول ولقد رأيت قولا ولا أدري من قاله ولا أين رأيته إن آخر وقت صلاة العشاء ما لم تنم ولو سهرت إلى طلوع الفجر (الاعتبار في الباطن في ذلك الاعتبار في أول وقت هذه الصلاة وآخره) اعلم أن العالم قد قسمه الحق على ثلاث مراتب وقسم الحق أوقات الصلوات على ثلاث مراتب فجعل عالم الشهادة وهو عالم الحس والظهور هو بمنزلة صلاة النهار فأناجي الحق بما يعطيه عالم الشهادة والحس من الدلالة عليه وما ينظر إليه من الأسماء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده يعني في الصلاة فناب العبد هنا مناب الحق وهذا من الاسم الظاهر فكان الحق ظهر بصورة هذا القائل سمع الله لمن حمده وكذلك قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في حق الأعرابي فأجره حتى يسمع كلام الله وهو ما سمع إلا الأصوات والحروف من فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال الله إن ذلك كلامي وأضافه إلى نفسه فكان الحق ظهر في عالم الشهادة بصورة التالي لكلامه فافهم وجعل عالم الغيب وهو عالم العقل وهو بمنزلة صلاة العشاء وصلاة الليل من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر فيناجي المصلي ربه في تلك الصلاة بما يعطيه عالم الغيب والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وتعالى وهو خصوص دلالة لخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية المثالية والتقريب الروحاني وهو وقت نزول الحق من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف ومن صلى هذه الصلاة في جماعة فكأنما قام نصف ليله وفي هذا الحديث رائحة لمن يقول إن آخر وقتها إلى نصف الليل وجعل سبحانه عالم التخيل والبرزخ الذي هو تنزل المعاني في الصور الحسية فليست من عالم الغيب لما لبسته من الصور الحسية وليست من عالم الشهادة لأنها معاني مجردة وأن ظهورها بتلك الصور أمر عارض عرض للمدرك لها لا للمعنى في نفسه كالعلم في صورة للبن والدين في صورة القيد والايمان في صورة العروة وهو من أوقات الصلوات وقت المغرب ووقت صلاة الصبح فإنهما وقتان ما هما من الليل ولا من النهار فهما برزخان بينهما من الطرفين لكون زمان الليل والنهار دوريا ولهذا قال تعالى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل من كور العمامة فيخفي كل واحد منهما بظهور الآخر كما قال يغشى الليل النهار أي يغطيه وكذلك النهار يغشى الليل فيناجي المصلي ربه في هذا الوقت بما يعطيه عالم البرزخ من الدلالات على الله في التجليات وتنوعاتها والتحول في الصور كما ورد في الأخبار الصحاح غير أن برزخية صلاة المغرب هو خروج العبد من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فيمر بهذا البرزخ الوتري فيقف منه على أسرار قبول عالم الغيب لعالم الشهادة وهو بمنزلة الحس الذي يعطي للخيال صورة فيأخذها الخيال بقوة الفكر فيلحقها بالمعقولات لأن الخيال قد لطف صورتها التي كانت لها في الحس من الكثافة فتروحنت بوساطة هذا البرزخ وسببه وتر صلاة المغرب فإن الفعل للوتر فهو الذي لطف صورتها على الحقيقة ليقبلها عالم الغيب والعقل لأن العقل لا يقبل صور الكثيف والغيب لا يقبل الشهادة فلا بد أن
(٣٩٥)