قائل حجة واستناد إلى أثر والذي أذهب إليه في هذه المسألة أن الأذان لصلاة الجمعة كالأذان للصلوات المفروضة كلها وقد تقدم الكلام على الأذان في الصلوات قبل هذا إلا أنه لا يجوز أن يؤذن اثنان ولا جماعة معا بل واحد بعد واحد فإن ذلك خلاف السنة (وصل الاعتبار في ذلك) الأذان الإعلام وهو دعاء الحق عباده لمعرفته من حيث ما هو إله الناس وربنا ورب آبائنا وهو قوله صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه عرف ربه فذكره بالإضافة وما قال ذلك مطلقا فإن الحق سبحانه لا يعين لفظا ولا يقيد أمرا إلا وقد أراد من عباده أن ينظروا فيه من حيث ما خصصه وأفرده لتلك الحالة أو عينه بتلك العبارة ومتى لم ينظر الناظر في هذه الأمور بهذه العين فقد غاب عن الصواب المطلوب ولما كانت الجمعة لا تصح إلا بالجماعة علمنا إن الأذان الذي هو الإعلام بالإعلان للاتيان والسعي إلى هذا التجلي الخاص لا بد أن يعطي ما لا يعطي المنفرد وقد بينا ذلك وما يبقى إلا اختلاف مقامات الناظرين في ذلك بين مؤذن واحد واثنين وثلاثة ولا توقيت عندنا في ذلك إلا أنه لا بد من أذان والواحد أدناه فإن زاد جاز ولكن واحد بعد واحد فأما الأذان الواحد فيراه من يرى صلاة الجمعة من حيث ما هي صلاة فقط ومن يرى الاثنين فيرى كونها صلاة في جماعة فلا تجزى للمنفرد ومن رأى الثلاثة في الأذان لها فلكونها صلاة في جماعة ليوم خاص وحالة مخصوصة لا تكون في سائر الأيام بخلاف الصلوات المفروضة في كل يوم فمن اعتبر هذه الأحوال الثلاثة قال بثلاثة مؤذنين فيقول الأول حي على الصلاة ويقول الثاني حي على الصلاة في الجماعة ويقول الثالث حي على الصلاة في الجماعة في هذا اليوم فاعلم كل مؤذن بحالة لم يعلم بها الآخر واعتبر العلماء ذلك ولو انفرد واحد جاز (وصل في فصل الشروط المختصة بيوم الجمعة في الوجوب والصحة) فمن جملة شروطها الجماعة واختلفوا في مقدار الجماعة فمن قائل واحد مع الإمام وبه أقول حضرا وسفرا عندي ومن قائل اثنان سوى الإمام ومن قائل ثلاثة دون الإمام ومن قائل أربعون ومن قائل ثلاثون ومن قائل اثنا عشر ومنهم من لا يشترط عددا ولكن رأى أنه يجوز بما دون الأربعين ولا يجوز بالثلاثة والأربع وهذا الشرط من شروط الوجوب والصحة أي به تجب الجمعة وتصح (وصل الاعتبار في ذلك) أما الواحد مع الإمام فهو حظ من يعرف أحدية الحق من أحدية نفسه فيتخذ أحدية نفسه على أحدية ربه دليل قال الشاعر وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد وآية كل شئ عنده أحديته إذ كان كل موجود لا بد أن يمتاز عن غيره بأحدية لا تكون لغيره وتلك الأحدية هي على الحقيقة حقيقة أنيته وهويته فيعلم من ذلك أن ربه على خصوص وصف في هويته لا يمكن أن يكون ذلك لسواه وأما من قال اثنان فهو الذي يعرف توحيده من النظر في شفعيته فيرى كل ما سوى الحق لا يصح له الانفراد بنفسه وإنه مفتقر إلى غيره فهو مركب من عينه ومن اتصافه بالوجود المستفاد الذي لم يكن له من حيث عينه وأما من قال بالثلاثة وهو أول الأفراد فهو الذي يرى أن المقدمتين لا تنتج إلا برابط فهي أربعة في الصورة وثلاثة في المعنى فيرى أنه ما عرف الحق إلا من معرفته بالثلاثة فاستدل بالفرد على الواحد وهو أقرب في النسبة من الاستدلال بالشفع على الأحدية وأما من قال بالأربعين فاعتبر الميقات الموسوي الذي أنتج له معرفة كلام الحق من حيث ما قد علمتم من قصته المذكورة في القرآن وكذلك أيضا من حصلت له معرفة ربه من إخلاصه أربعين صباحا وهي الخلوة المعروفة في طريق القوم فإنهم يتخذونها لتحصيل معرفة الله بما يحصل لهم فيها من الإخلاص مع الله من المشوب وأما من قال بالثلاثين فنظر إلى الميقات الأول الموسوي وعلم إن ذلك هو حد المعرفة إلا أنه طرأ أمر أخل به فزاد عشرا جبرا لذلك الخلل فهو بالمعنى ثلاثون فمن سلم ميقاته من ذلك الخلل فإن مطلوبه من العلم بالله يحصل بالثلاثين قال تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ومن هذا الحد لما جرى من نساء رسول الله ص ما جرى أداه ذلك إلى الانفراد مع الله وهجرهم فإلى من نسائه شهرا لعلمه أن المقصود يحصل بهذا التوقيت فلما فرع الشهر ناجاه الحق بآية التخيير فخير نساءه فإنه كان المطلوب بذلك التوقيت ما فتح له به فإن الحق يجري مع العبد في فتحه على حسب قصده والسبب الذي أداه إلى الانفراد
(٤٦٠)