وما لا يماثل هو الكامل على الحقيقة والصائمون من العارفين هنا دخلوه وهناك يدخلون منه على علم من الخلائق أجمعين فلنذكر إن شاء الله في هذا الباب أحكام الصوم المشروع وتوابعه ولواحقه وأنواعه وواجبة ومندوبة كما ذكرنا فيما تقدم من أخواته من زكاة وصلاة في العموم والخصوص على طبقاتهم في ذلك وله عندنا مراتب أولها الصوم العام المعروف الذي تعبدنا الله به وهو الصوم الظاهر في الشاهد على تمام شروطه فإذا فرغنا من الكلام على أحكام المسألة التي نوردها في ذلك انتقلنا إلى الكلام بلسان الخواص وخلاصتهم على صوم النفس بما هي آمرة للجوارح وهو إمساكها عما حجر عليها في مسألة مسألة وارتفاعها عن ذلك وعلى صوم القلب الموصوف بالسعة للنزول الإلهي حيث قال تعالى وسعني قلب عبدي فنتكلم على صومه وهو إمساكه هذه السعة أن يعمرها أحد غير خالقه فإن عمرها أحد غير خالقه فقد أفطر في الزمان الذي يجب أن يكون فيه صائما إيثارا لربه مسألة مسألة والكلام على جملة المفطرات في نوع كل صوم على الاختصار والتقريب فإنه باب يطول وسأورد في هذا الباب من الأخبار النبوية ما تقف عليه إن شاء الله تعالى (وصل في فصل تقسيم الصوم) اعلم أن الصوم المشروع منه واجب ومنه مندوب إليه والواجب على ثلاثة أنواع منه ما يجب بإيجاب الله تعالى إياه ابتداء وهو صوم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أي في صيامه أو عدة من أيام أخر في حق المسافر أفطر أو لم يفطر عندنا وعند غيرنا إن أفطر وفي حق المريض ومنه ما يجب لسبب موجب وهو صيام الكفارات ومنه ما يجب من الله بما أوجبه الإنسان على نفسه وهو غير مكروه وهو صوم النذر فإنه يستخرج به من البخيل وما ثم واجب غير ما ذكرنا وأما المندوب فمنه ما يتقيد بالزمان المرغب فيه كصوم الأيام البيض والاثنين والخميس وأشباه ذلك من الأيام والشهور ومنه ما يتقيد بالحال كصيام يوم وفطر يوم وهو أعدل الصوم وكالصيام في سبيل الله ومنه ما لا يتقيد بزمان وهو أن يصوم الإنسان متى شاء متطوعا بذلك (وصل في فصل الصوم الواجب الذي هو شهر رمضان لمن شهده) فلنقدم في ذلك ذكر رمضان وبعد هذا نتكلم في أحكام صومه خرج مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين زاد النسائي في كتابه ونادى مناد في كل ليلة يا طالب الخير هلم ويا طالب الشر أمسك رواه النسائي عن عرفجة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مجئ رمضان سببا في الشروع في الصوم فتح الله أبواب الجنة والجنة الستر فدخل الصوم في عمل مستور لا يعلمه منه إلا الله تعالى لأنه ترك وليس بعمل وجودي فيظهر للبصر أو يعمل بالجوارح فهو مستور عن كل ما سوى الله لا يعلمه من الصائم إلا الله تعالى والصائم الذي سماه الشرع صائما لا الجائع وغلق الله أبواب النار فإذا غلقت أبواب النار عاد نفسها عليها فتضاعف حرها عليها وأكل بعضها بعضا كذلك الصائم في حكم طبيعته إذا صام غلق أبواب نار طبيعته فوجد للصوم حرارة زائدة لعدم استعمال المرطبات ووجد ألم ذلك في باطنه وتضاعفت شهوته للطعام الذي يتوهم الراحة بتحصيله فتقوى نار شهوته بغلق باب تناول الأطعمة والأشربة وصفدت الشياطين وهي صفة البعد فكان الصائم قريبا من الله بالصفة الصمدانية فإنه في عبادة لا مثل لها فقرب بها من صفة ليس كمثله شئ ومن كانت هذه صفته فقد صفدت الشياطين في حقه وقد ورد في الخبر أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فسدوا مجاريه بالجوع والعطش أي هذه الأسباب معينة له على ما يريده من الإنسان من التصرف في الفضول وهو ما زاد على التصرف المشروع ثم اعلم علمك الله من لدنه علما وجعل لك في كل أمر حكمة وحكما إن رمضان اسم من أسماء الله تعالى وهو الصمد ورد الخبر النبوي بذلك روى أحمد بن عدي الجرجاني من حديث نجيح أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى وإن كان في هذا الإسناد أبو معشر فإن علماء هذا الشأن قالوا فيه إنه مع ضعفه يكتب حديثه فاعتبروه رضي الله عنهم ولذلك قال الله
(٦٠٤)