(بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل في فصل دخول المحرم الحمام) فمن الناس من كرهه ومن الناس من قال لا بأس به وبه أقول ليس في أحوال الدنيا من يدل على الآخرة بل على الله تعالى وعلى قدر الإنسان مثل الحمام يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل الحمام بالشام نعم البيت بيت الحمام ينعم البدن ويزيل الدرن ويذكر الآخرة ومن هذه آثاره في العبد لا يكره له استعماله فإنه نعم الصاحب وبه سمي لأن الحمام من الحميم والحميم الصاحب الشفيق قال تعالى فما لنا من شافعين ولا صديق حميم أي شفيق وسمي حميما لحرارته واستعمل فيه الماء لما فيه من الرطوبة فالحمام حار رطب طبع الحياة وبها ينعم البدن وبالماء يزول الدرن وبتجريد الداخل فيه عن لباسه وبقائه عريانا لا شئ في يديه من جميع ما يملكه يذكر الآخرة والموت وقيام الناس من قبورهم عراة حفاة لا يملكون شيئا فدخول الحمام أدل على الآخرة من الموت فإن الميت لا ينقلب إلى قبره حتى يكسى وداخل الحمام لا يدخل إليه حتى يعري والتجريد أدل ثم إنه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم نقني من الخطايا والذنوب كما ينقى الثوب من الدرن وتنقية البدن من الدرن والوسخ من أخص صفات الحمام ولأجله عمل واعتبار الحمام بأحوال الآخرة مجاله رحب عظيم الفائدة ما يعقله إلا العلماء بالله (وصل في فصل تحريم صيد البر على المحرم) اتفقوا على ذلك وهو اتفاق أهل الله أيضا في اعتباره ومعناه قال بعضهم الزاهد صيد الحق من الدنيا والعارف صيد الحق من الجنة فمال الزاهد إلى قوله وما عند الله خير وأبقى ومال العارف إلى قوله والله خير وأبقى فالخلق صيد للحق صادهم من نفوسهم برا أو بحرا وسأبين ذلك إن شاء الله فاعلم إن الحق تعالى نصب حبالات صيد النفوس الشاردة عما خلقت له من عبادته ثم خدعهم بالحب الذي جعل لهم في تلك الحبالات أو الطعوم أو ذوات الأرواح المشبهة لهم في الحياة جعلها مقيدة في الحبالات من حيث لا يشعر الناظرون إليها فمن الصيد من أوقعه في الحبالة رؤية الجنس طمعا في اللحوق بهم ليرى ما هم فيه فصار في قبضة الصائد فقيده وهو كان المقصود لأنه مطلوب لعينه ومن الصيد من أوقعه الطمع في تحصيل الحب المبذور في الحبالة ثم إن الصائد له تصافير يحكي بها أصوات الطير إذا سمعها الطائر نزل فوقع في الحبالة فهو بمنزلة من سمع نداء الحق فأجاب فهذا لم يصد بالإحسان والآخر أحسن إليه بالحب المبذور في الحبالة فأبصره فقاده الإحسان فرمى بنفسه عليه فصاده فلو لا الإحسان ما جاء إليه فمجيئه معلول والبر هو المحسن والإحسان والحق غيور فما أراد من هذه الطائفة الخاصة الذين جعلهم الله حراما ليكونوا له أن يجعلهم عبيد إحسان فيكونون للإحسان لا له ولهذا دعاهم شعثا غبرا مجردين من المخيط ملبين لإجابته بالإهلال كما لجأ الطائر لصوت الصائد فحرم عليهم لمكانتهم صيد البر الذي هو الإحسان ما داموا حرما حلالا في المكان الحلال والحرام وسكانا في الحرام وإن كانوا حلالا أو حراما فحيث ما كانت الحرمة امتنع صيد الإحسان فإن الله من صفاته الغيرة فلم يردان يدعو هذه الطائفة المنعوتين بالإحرام من باب النعم والإحسان فيكونوا عبيد إحسان لا عبيد حقيقة فإنه استهضام بالجناب الإلهي فقال من صحبك لغرض انقضت صحبته بانقضائه وصحبة العبد ربه ينبغي أن تكون ذاتية كما هي في نفس الأمر لأنه لا خروج للعبد عن قبضة سيده وإن أبق في زعمه فما خرج عن ملكه وهو جاهل بملك سيده لأنه حيث ما مشى في ملكه مشي فما خرج عن ملك سيده ولا ملكه فلله ملك السماوات والأرض فلهذا حرم على الحاج صيد البر وهو قوله صلى الله عليه وسلم حبوا الله لما يغذوكم به من نعمه خطابا منه لعبيد الإحسان حيث جهلوا مقاديرهم وما ينبغي لجلال الله من الانقياد بالطاعة إليه ولم يحرم صيد البحر على المحرم ما دام محرما لأن صيد البحر صيد ماء وهو عنصر الحياة الذي خلق الله منه كل شئ حي والمطلوب بإقامة هذه العبادة وغيرها إنما هو حياة القلوب كما قال أو من كان ميتا فأحييناه في معرض الثناء بذلك فإذا كان المقصود حياة القلوب والجوارح بهذه العبادة وبالعبادات كلها ظاهرها وباطنها فوقعت المناسبة بين ما طلب
(٦٨٦)