ومن قائل بهذا وبالسفر المباح أي ذلك كان ومن قائل بكل سفر مما يسمى سفرا قربة كان أو مباحا أو معصية وبه أقول (وصل الاعتبار في ذلك) قال تعالى وإليه ترجعون هذا في الأعيان وقال في الأعيان وفي الأحوال وقال وإليه يرجع الأمر كله وقال ألا إلى الله تصير الأمور وقال ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها فهذه الآيات كلها وأمثالها تدل على سفر الإنسان إلى الله فيقصر فإن الله هو الغاية لكل مسافر سواء سافر منه أو من كون نفسه أو كون من الأكوان وفيه أو في أسماء ربه والحق سبحانه غاية الطريق قصدت الطرق أو لم تقصد فما هو غاية قصد السالك فإن السالك مقيد القصد ولا بد والله لا يتقيد إلا بالإطلاق فإن الإطلاق تقييد فلهذا أمرنا بالتقصير في كل ما ينطلق عليه اسم سفر قربة كان أو مباحا أو معصية ومن راعى أو كان مشهده قوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقوله وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل لم ير التقصير إلا في سفر الطاعة أو في سفر الطاعة والمباح لأن الصلاة قربة إلى الله سعادية والمذهب الأول أولى فإن المعصية لم يثبت كونها معصية عند هذا المسافر فيها إلا بكونه مؤمنا أو على مذهب خاص بالمؤمن بها أنها معصية فهو ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا وهو مسافر فلأي معنى نراعي حكم المعصية فنقول بأنه لا يقصر بكونه سافر في غير ما يرضى الله وغاب صاحب هذا القول عن حكم الايمان بهذه المعصية من هذا المسافر أنه مؤمن بأنها معصية فهو في طاعة فإنه قد أرضى الرب سبحانه من كونه مؤمنا بأنها معصية والايمان في حكمه أقوى من الفعل المعين المسمى معصية فما يمنعه إن يحكم له بجواز القصر وهو مسافر بإيمانه بها في طاعة أيضا والحسنة بعشر والسيئة واحد إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكيف إن كانوا مائتين والمعصية في عشرين والآيات التي أحتج بها من تعيين الصراط والحجة إنما ذلك فيمن ليس بمؤمن ومن ليس بمؤمن فما هو مخاطب بتمام ولا قصر لأن الصلاة لا تجب عليه إلا بعد الايمان وإن كان مخاطبا بالجملة فمذهبنا أولى في هذه المسألة (وصل في فصل الموضع الرابع من الخمسة المواضع) وهو الموضع الذي منه يبدأ المسافر بالقصر قال بعض العلماء لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية ولا يتم حتى يدخل أول بيوتها ومن قائل لا يقصر إذا كانت قرية جامعة حتى يكون منها بنحو ثلاثة أميال (وصل الاعتبار في ذلك) الإنسان جسم وروح فما دام روح الإنسان مستوطنا في جسمه وعالم حسه يجري بحكم طبيعته فهو مقيم غير مسافر فيتم صلاته فإذا سافر الروح عن جسمه وتركه وراء بحال فناء فقد غاب عنه في أول قدم وإذا غاب عنه فسنته القصر في الصلاة ومعنى القصر هنا ما يختص به الروح من حكم الصلاة من كونه روحا لا من كونه مدبر الجسم فإنه في هذه الحال غائب عن جسمه فلا يبقى عليه من حكم الصلاة إلا ما يختص به ومن راعى كون جسميته ذات ثلاث شعب وهو ما يحويه من الطول والعرض والعمق وهو سار في كل مسمى بالجسم إلا في مذهب المتكلمين فإن الجسم عندهم طول بلا عرض يعني أقل جسم وفي مذهب غيرهم ثمانية جواهر هي أقل الأجسام فإنه جمع بين الطول من كونه جوهرين والعرض من كونه أربعة جواهر وهو السطح والعمق من كونه ثمانية جواهر وهو سطحان وأربعة خطوط وسواء كان عند هذا الروح جسمه الخاص به أو انتقل عن جسمه في غيبته المدبر له إلى جسم آخر طبيعي يشاهده فما زال من حكم الجسمية فلا يقصر حتى يغيب عنها بالكلية ويتجرد عن مشاهدة الجسمية ويبقى روحا فحينئذ يبتدئ بصلاته الخاصة به وهو القصر فهذا اعتبار صاحب الثلاثة الأيام والقرية الجامعة وهي الجسمية الشاملة لجسمه ولجسم غيره فإن من أصحابنا من يقول إنه من انتقل في غيبته من صورة حسه إلى صورة محسوسه فلا يسمى غائبا كانت تلك الصورة ما كانت روحانية أو أسمائية أو معنوية أو جسمية مهما تجلت له في الصور الجسمية فهو مقيم في الجسم فوجب عليه الإتمام في الصلاة التي يدخلها القصر والإتمام وهي الرباعية فإن الثنائية وهي الصبح لا يدخلها القصر فإن الركعة الواحدة لوحدانية الحق والركعة الثانية لوحدانية العبد فلا بد من مصل ومصلى له فلا قصر في صلاة الصبح وأما الثلاثية وهي المغرب فإن الركعتين اللتين يجهر فيهما فهما شفعية الإنسان وكونهما يجهر فيما بالقراءة لأنهما نصبتا دليلا على الحق والدليل لا يكون إلا علانية ظاهرا معلوما ودليل بغير مدلول لا يصح فكانت الركعة الثالثة لوجود المدلول وهو الحق وكانت القراءة فيها سرا لكونه غيبا فلا سبيل إلى القصر في المغرب فإنه دليل على العبد وشفعيته وعلى الحق وأحديته فلم يبق القصر إلا في الرباعية لوجود
(٤٧٠)