والملك والسلطان فينقلب إليه المؤمن في الآخرة ويتحول إليه ويتحول عنه الكافر في الآخرة فيظهر المؤمن في الآخرة بنعيم الكافر الشقي في الدنيا ويظهر الكافر المنعم في الدنيا في الآخرة بصفة الشقاء والبؤس الذي كان فيه المؤمن في الدنيا فهذا اعتبار اليمين والشمال في تحويل الرداء (وصل في اعتبار وقت التحويل وهو في الاستسقاء في أول الخطبة أو بعد مضى صدر الخطبة) فاعلم أن اعتبار التحويل في أول الخطبة هو أن يكون الإنسان في حال نظره لربه بربه فينظر في أول الخطبة لربه بنفسه وهو قوله في أول الصلاة حمدني عبدي فلو كان حال المصلي في وقت الحمد حال فناء بمشاهدة ربه أنه تعالى حمد نفسه على لسان عبده لم يصدق من جميع الوجوه حمدني عبدي وهو الصادق سبحانه في قوله حمدني عبدي فلا بد أن يكون العبد يشاهد نفسه في حمده ربه وهو صدق ومن قال بعد مضى صدر من الخطبة فهو إذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين فكان في أول الخطبة يثني على ربه بربه بحال فناء علمي ومشهد سنى بربه عن نفسه فإنه بكلامه حمده فلما أوقع الخطاب كان ثناؤه بنفسه على ربه فيحول عن حالته تلك في هذا الوقت فهذا اعتبار تعيين التحويل في أول الخطبة أو بعد مضى صدر الخطبة (وصل اعتبار استقبال القبلة) من كان وجها كله يستقبل ربه بذاته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه فكان وجها كله فينبغي للمستسقي ربه أن يقبل على ربه بجميع ذاته فإنه ما فيه جزء محسوس أو معنوي ظاهر أو باطن إلا وهو فقير محتاج إلى رحمة الله به في استجلاب نعمه أو بقاء النعم عليه ولهذا يجيب الله المضطر في الدعاء فإن المضطر هو الذي دعا ربه عن ظهر فقر إليه وما منع الناس الإجابة من الله في دعائهم إياه إلا كونهم يدعونه عن ظهر غنى لالتفاتهم إلى الأسباب وهم لا يشعرون وينتجه عدم الإخلاص والمضطر المضمون له الإجابة مخلص مخلص ما عنده التفات إلى غير من توجه إليه أخبرني الرشيد الفرغاني رحمه الله عن فخر الدين شيخه ابن خطيب الري عالم زمانه أن السلطان حبسه وعزم على قتله وما له شفيع عنده مقبول قال فطمعت أن أجمع همي على الله في أمري أن يخلصني من يد السلطان لما انقطعت بي الأسباب وحصل الياس من كل ما سوى الله فما تخلص لي ذلك لما يرد علي من الشبه النظرية في إثبات الله الذي ربطت معتقدي به إلى أن جمعت همتي وكليتي على الإله الذي تعتقده العامة ورميت من نفسي نظري وأدلتي ولم أجد في نفسي شبهة تقدح عندي فيه وأخلصت إليه التوجه بكلي ودعوته في التخلص فما أصبح إلا وقد أفرج الله عني وأخرجني من السجن فهذا اعتبار استقبال القبلة فإن ذلك إشارة إلى القبول (وصل اعتبار الوقوف عند الدعاء) القيام في الاستسقاء عند الدعاء مناسب لقيام الحق بعباده فيما يحتاجون إليه فإنه طلب للرزق بإنزال المطر الذي تركن نفوسهم إليه ويستبشرون بقول الله الرجال قوامون على النساء والنفوس كلها في مقام الأنوثة لمن عقل فإن كل منفعل فرتبته رتبة الأنثى وما ثم إلا منفعل والفعل مقسم على الحقيقة بين الفاعل والمنفعل فمن الفاعل الاقتدار ومن المنفعل القبول للاقتدار فيه وهنا سر يتضمن أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي فالذي يجعل الله الرزق على يديه قائم على من يرزق بسببه فشرع القيام في الدعاء في الاستسقاء كأنه يقول بحال قيامه بين يدي ربه ارزقنا ما نقوم به على عيالنا بما تنزله من الغيث علينا فإنه السبب في وجود ما به قوام أنفسنا إنك على كل شئ قدير (وصل اعتبار الدعاء في هذا الباب) الدعاء مخ العبادة وبالمخ تكون القوة للأعضاء كذلك الدعاء مخ العبادة به تقوى عبادة العابدين فإنه روح العبادة إن الذين يستكبرون عن عبادتي العبادة هنا عين الدعاء سيدخلون جهنم داخرين وهو البعد عن الله فإن جهنم سميت به لبعد قعرها (وصل اعتبار رفع الأيدي عند الدعاء) على الكيفيتين الأيدي محل القبض والعطاء فبها ما أخذ وبها ما أعطى فلها القبض بما تأخذ والبسط بما تعطي فيرفع العبد يديه مبسوطتين ليجعل الله فيهما ما سأله من نعمه فإن رفعها وجعل بطونها إلى الأرض فرفعها تشهد العلو والرفعة ليدي ربي تعالى التي هي اليد العلياء ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ويجعل الداعي بطون يديه إلى الأرض في الاستسقاء أي أنزل علينا مما بيديك من الخير والبركة ما تسد به فقرنا وفاقتنا التي علقتها بالأسباب فأوحدها إليك وفرغها بما تنزله من الغيث من أجلها فهذا وأشباهه اعتبار صلاة الاستسقاء وأحوال أهله وكون صلاتها ركعتين هو قول الله وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة
(٥٠٧)