نسيانه ونومه وما ذلك وقتها في حقهما فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولولا إن الشارع جعل للناسي وللنائم وقتا عند الذكرى واليقظة لسقطت تلك الصلاة عنهما مع خروج الوقت المعلوم لها عند المتيقظين الذاكرين كما تسقط عن المغمى عليه (وصل الاعتبار في ذلك) الناسي هو العارف بأنه ما في الوجود إلا الله وصفاته وأفعاله وأنه عين الوجود فيلزم صاحب هذا المقام من المعرفة بالله من الأدب مع الله ما تقتضيه هذه المعرفة وهو معلوم مذكور في هذا الكتاب وفي علم طريق الله فإذا نسي هذا العارف هذه المعرفة وأساء الأدب مع الله الذي تعطيه هذه المعرفة لم يؤاخذ به بل إن كان له ذكر مقرر في حق من ليست له هذه المعرفة فهو عند الله بحسب ما ذكره وقرره في حق ذلك إن خيرا فخيرا وإن شر فشر فإن الناسي قد يكون سبب نسيانه استفراغه في شغل محرم أو في شغل مباح أو في شغل مندوب فيكون مأجورا في نسيانه من حيث ذلك المندوب لا من حيث النسيان ويكون مأثوما من حيث ذلك المحرم ويكون معرى عن الأجر والوزر من حيث ذلك المباح فإذا تذكر هذا الناسي معرفته عاملها بما يقتضيه أدبها وتعين عليه فيما مضى من أحكامها وآدابها في حال نسيانه في حركاته وسكناته أن يحضرها في نفسه على الحد الذي يقتضيه معرفته فيها فإذا أحضرها أحضر في نفسه ما ينبغي لها من الآداب فذلك وقتها فإن لم يفعل آخذه الله بما كان فيها في حال نسيانه من سوء الأدب بسبب عدم استحضارها في وقت الذكرى فإن الله يقول أقم الصلاة لذكري وأما اعتبار النائم العارف هذه المعرفة فهو الذي حجبه النظر في طبيعته وما لها من الحكم فيه من غير نظر إلى مكونها وهو ضرب خاص من النسيان لأنه تارك للعمل أو غير موجود منه العمل المطلوب في تلك الحالة فإن كان نظره الذي هو نومه في حكم طبيعته من حيث ما تقتضيه حقيقتها لذاتها غير ذاكر ولا مشاهد لموجد عينها لم يؤاخذه الله بما نقصه من الأدب الذي يطلب به الحاضر مع معرفته فمتى استيقظ هذا النائم أحضر الحق في نفسه موجد العين تلك الطبيعة مع تقرير حكمها التابع لوجود عينها كالأحوال فيتأدب بالحضور الذي يليق بتلك المسألة مع الله فيكون بمنزلة من لم ينم في ذلك الاستحضار فإن لم يفعل عوقب من كونه لم يستحضره لا من كونه كان قد نام عنها فإن كانت الأسباب الموجبة لنومه أمورا كان حظه فيها على حكم وجه الشرع لها فيتعلق الإثم به من حيث ذلك السبب وحكم الشرع لا من حكم نومه أو يتعلق به الأجران كان حكم الشرع فيه الأجر من حيث ذلك السبب لا من حيث نومه سواء فهكذا ينبغي أن يكون نوم العارفين ونسيانهم في هذا الاعتبار في المعرفة بالله فإن خطاب الشرع إذا تعلق بالظاهر كان اعتباره في الباطن وإذا تعلق خطاب الشرع بالباطن كان اعتباره في الظاهر فالعالم لا يزال ناظرا إلى الشارع بمن علق الحكم فيما جاء به في هذه المسألة الخاصة هل بالظاهر مثل الحركات أو بالباطن مثل النية والحسد والغل وتمني الخير للمؤمنين والظن الحسن والظن القبيح فحيث ما علق الشارع خطاب اللسان الظاهر به كان الاعتبار في مقابله أو في مقابل الحكم كالظن الحسن يقابله الظن القبيح ويقابله الفعل الحسن في الظاهر هذه مقابلة الموطن كفعل الخير مع الذمي من كونه مقرا بربه غير عارف بما ينبغي له (وصل في فصل العامد والمغمى عليه) اختلف العلماء فيه فمن قائل إن العامد يجب عليه القضاء ومن قائل لا يجب عليه القضاء وبه أقول وما اختلف فيه أحد أنه آثم وأما المغمى عليه فمن قائل لا قضاء عليه وبه أقول ومن قائل بوجوب القضاء وهو الأحسن عندي فإنه إن لم تكتب له في نفس الأمر فريضة كتبت له نافلة فهو الأحوط فالقائلون بوجوب القضاء منهم من اشترط القضاء في عدد معلوم فقالوا يقضى في الخمس فما دونها (وصل الاعتبار في ذلك) أما العامد في ترك ما أمره الله به فلا قضاء عليه فإنه ممن أضله الله على علم فينبغي أن يسلم إسلاما جديدا فإنه مجاهر وهذا لا يمكن أن يقع ممن أخذ علمه بالله عن ذوق وكشف وإنما يقع هذا ممن أخذ علمه بالله عن دليل ونظر فيقول الحركات والسكنات كلها بيد الله فما جعل في نفسي أداء ما أمرني بأدائه يقول وعلى الحقيقة فهو الآمر والسامع والمخاطب فهو على بصيرة والمخاطب تشقيه وتحول بينه وبين سعادته فتضره في الآخرة وإن التذ بها في الدنيا ولا يضر الله شئ وهذه مجاهرة بحق لا تنفع فلو كان عن ذوق وكشف منعته هيبة الجلال وعظيم المقام وسلطان الحال الذوقي أن يكون مثل هذا ويترك أداء حق الله على صحو فهو بمنزلة من
(٤٧٨)