عندنا إذا قلت أوجب أو فرض ثم نقول فالواجب إذا كانت اليد على شئ يحكم الشرع فيه عليها أنها غاصبة أو بكونه مسروقا أو بكونه وقعت فيه خيانة وكل ما لم يجوز لها الشارع أن تتصرف فيه والفروق في هذه الأحوال بينة فواجب طهارتها عن هذا كله وسيرد بما ذا تطهر في موضعه إن شاء الله فواجبة عليها هذه الطهارة وأما الطهارة المندوب إليها فهي ترك ما في اليد من الدنيا مما هو مباح له إمساكه فندبه الشرع إلى إخراجه عن يده رغبة فيما عند الله وذلك هو الزهد وهي تجارة فإن لها عوضا عند الله على ما تركته والترك أعلى من الإمساك وهذه مسألة إجماع في كل ملة ونحلة شرعا وعقلا فإن الناس مجمعون على أن الزهد في الدنيا وترك جمع حطامها والخروج عما بيده منها أولى عند كل عاقل هذا هو المندوب إليه في طهر اليد وهو السنة وأما المذهب في الاستحباب في طهارة اليد عند الشاك في طهارتها فهو الخروج عن المال الذي في يده لشبهة قامت له فيه قدحت في حله فليس له إمساكه وهذا هو الورع ما هو الزهد وإن كان له وجه إلى الحل فالمستحب تركه ولا بد فإن مراعاة الحرمة أولى فإنك في إمساكه مسؤول وفي تركه للشبهة التي قامت عندك فيه غير مسؤول بل أنت إلى المثوبة على ذلك أقرب وهذا في الطهارة المندوب إليها أولى والاستحباب في الترك للمباح أولى وأما اختلافهم في وجوب غسلها من النوم مطلقا وفيمن قيد ذلك بنوم الليل فاعلم أن الليل غيب لأنه محل الستر ولذلك جعل الليل لباسا والنهار شهادة لأنه محل الظهور والحركة ولذلك جعله معاشا لابتغاء الفضل يعني طلب الرزق هنا من وجهه فالفضل المبتغي فيه من الزيادة ومن الشرف وهو زيادة الفضائل فإنه يجمع ما ليس له برزق فهو فضول لأنه يجمعه لوارثه أو لغيره فإن رزق الإنسان ما هو ما يجمعه وإنما هو ما يتغذى به فاعلم أن النائم في عالم الغيب بلا شك وإذا كان النوم بالليل فهو غيب في غيب فيكون حكمه أقوى والنوم بالنهار غيب في شهادة فيكون حكمه أضعف ألا تراه جعل النوم سباتا فهو راحة بلا شك وهو بالليل أقوى فإنه فيه أشد استغراقا من نوم النهار والغيب أصل فالليل أصل والشهادة فرع فالنهار فرع وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فالنهار مسلوخ من الليل فالليل لما كان يستر الأشياء ولا يبين حقائق صورها للابصار أشبه الجهل فإن الجهل بالشئ لا يبين حكمه فمن جهل الشرع في شئ لم يعلم حكمه فيه ولما كان النائم في حال نومه لا يعلم شيئا من أمور الظاهر في عالم الشهادة في حق الناس كان النوم جهلا محضا إلا في حق من تنام عينه ولا ينام قلبه كرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من ورثته في الحال ولما كان النهار يوضح الأشياء ويبين صور ذواتها ويظهر للمتقي ما يتقى من الأمور المضرة وما لا يتقيه أشبه العلم فإن العلم هو المبين حكم الشرع في الأشياء ولما كان النائم بالنهار متصفا بالجهل لأجل نومه لأن النوم من أضداد العلم ربما مد يده وهو لا علم له أو رجله فيفسد شيئا مما لو كان مستيقظا لم يتعرض إلى فساده أوجب عليه الشرع الطهارة بالمعلم من نوم الجهل إذا استيقظ فيعلم بيقظته حكم الشرع في ذلك فإنه ما كان يدري في حال نوم جهالته حيث جالت يده هل فيما أبيح له ملكه أو في ما لم يبح له ملكه كالمغصوب وأمثاله كما ذكرنا كما راعى المخالف قوله أين باتت يده واشتركا في النوم وإنما ذكر الشارع المبيت لأن غالب النوم فيه وهو أبدا يراعي الأغلب فجعل هذا الحكم في نوم الليل ومراعاة النوم أولى من مراعاة نوم الليل ويقول مراعي نوم الليل لذكر المبيت فإنه لما كان الإنسان إذا نام بالنهار قد يكون هناك إنسان أو جماعة إذا رأوا النائم يتحرك بيده أو برجله فتؤديه حركته تلك إلى كسر جرة أو غيرها أو صبي صغير رضيع تحصل يده على فمه فتؤذيه أو يمسك عنه خروج النفس فيموت وقد رأينا ذلك فيكون المستيقظ الحاضر يمنع من ذلك بإزالة الطفل القريب منه أو الجرة أو ما كان من أجل ضوء النهار الذي كشفه به ويقظته كذلك العالم مع الجاهل إذا رآه يتصرف بما لا علم له به بحكم الشرع فيه نبهه أو حال الشرع بينه وبين ذلك الفعل فوجب غسل اليد عندنا ولا بد باطنا على الغافل وهو النائم بالنهار الجاهل وهو النائم بالليل وأما اعتبارنا بالطهارة قبل إدخالها في الإناء فإنه بالعلم والعمل خوطبنا فالعلم الماء والعمل الغسل وبهما تحصل الطهارة فغسلها قبل إدخالها في إناء الوضوء هو ما يقرره في نفسه من القصد الجميل في ذلك الفعل إلى جناب الحق الذي فيه سعادته عند الشروع في الفعل على التفصيل فهذا معنى غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء في طهارة الباطن (وصل) المضمضة والاستنشاق اختلف علماء الشريعة فيهما على ثلاثة أقوال فمن قائل إنهما سنتان ومن
(٣٣٧)